الوكالات

ترامب في 100 يوم: تصعيد الأزمات الاقتصادية والسياسية وتهديد استقرار أميركا

ترامب في 100 يوم: تصعيد الأزمات الاقتصادية والسياسية وتهديد استقرار أميركا

في أقل من مئة يوم على تسلمه الرئاسة، تجاوز دونالد ترامب المدة التي قضتها لِز تراس في رئاسة الوزراء البريطانية، وأثبت أنه لا يزال يتقن إثارة الفوضى أكثر من أي شيء آخر. هذا ليس إنجازًا، بل مؤشر على حجم الخراب الذي يخلّفه. فالرئيس الأميركي الـ47 لا يزال يتنقّل من أزمة إلى أخرى، وكأن الفوضى صارت نهجه الدائم. أما كيف سينتهي هذا المسار؟ فلا أحد يمكنه التكهّن.

حرب تجارية مزدوجة… وعواقب اقتصادية مرتقبة

يشن ترامب حاليًا حربًا اقتصادية في اتجاهين: ضد حلفاء الولايات المتحدة وضد الصين. وقد ارتفعت الرسوم الجمركية إلى مستويات غير مسبوقة، في مشهد يعيد للأذهان قانون “سموت-هاولي” وأزمات الكساد العظيم. الرئيس يبدو وكأنه يسعى لإحياء ماضٍ اقتصادي مثالي لم يوجد قط. أما الواقع فينذر بهروب رؤوس الأموال وتضخم مصحوب بركود، وهو سيناريو تخشاه الأسواق.

آسيا على المحك… والصين تقترب من تايوان

الحديث عن احتمال غزو صيني لتايوان لم يعد مجرد تحليل. في فترته الرئاسية الأولى، ضمّ ترامب إلى إدارته شخصيات متمرسة في التعامل مع الملف الصيني. لكن الآن، يتصدّر المشهد مستشارون مثل بيتر نافارو، المدان بازدراء الكونغرس، في تحديد سياسات التجارة. في المقابل، يبدو وزير الخزانة سكوت بيسنت وكأنه يشاهد من بعيد، أما وزير الخارجية ماركو روبيو فصورته لا تختلف كثيرًا عن رهينة في تسجيل مصوَّر.

هبوط الدولار وتصاعد الفوائد… علامات دولة متعثّرة

بدأ الدولار الأميركي يتراجع في حين ترتفع أسعار الفائدة، في مشهد غير مألوف لدولة تقود الاقتصاد العالمي. ترامب يهدد استقلالية الاحتياطي الفدرالي، ويصف رئيسه جيروم باول بـ”الخاسر الكبير”، متجاهلًا دور الدولار كعملة احتياطية عالمية. إن ما يفعله الرئيس يصب في مصلحة خصوم واشنطن، وعلى رأسهم روسيا والصين.

من كندا إلى غرينلاند، تهديدات ترامب بالغزو أو الضمّ باتت مادة جدية، لا نكات ساخرة. الزعيم الليبرالي الكندي مارك كارني قالها بوضوح: “لا عودة إلى الوراء… ترامب يعيد هيكلة النظام التجاري العالمي ويمزق الاقتصاد الكوني”. انخفاض حركة السفر من كندا جنوبًا ليس سوى مؤشر رمزي على عمق الشرخ.

الهجوم على الدستور… وتراجع الدعم داخل المحكمة العليا

إدارة ترامب الحالية لا تكتفي بتجاوز الأعراف، بل تمضي قدمًا في تقويض الدستور. عندما لا يجد الرئيس إلا القاضيين كلارنس توماس وصامويل أليتو يدافعان عن خططه للترحيل الجماعي، فذلك يعني أنه ذهب بعيدًا جدًا. حتى القضاة الذين عيّنهم هو نفسه – مثل نيل غورسيتش وبريت كافانو وإيمي كوني باريت – باتوا يتراجعون أمام بعض قراراته.

غضب قانوني محافظ… ورفض لمصادرة الحقوق

حتى قضاة محافظون مخضرمون – كالقاضي جي هارفي ويلكينسون الذي عيّنه ريغان – أعلنوا صدمتهم مما يجري، خاصة حين يتعلق الأمر بانتهاك “الإجراءات القانونية الواجبة”. كتب ويلكينسون أن ما يحدث يجب أن يُفزع ليس فقط القضاة، بل كل من يحمل إحساسًا فطريًا بالحرية في قلبه.

في حملة 2016، عبّر حلفاء ترامب عن إعجابهم بالسلطة الاستبدادية. قال الحاكم السابق لولاية ماين، بول ليباج، إن ترامب قد يحتاج لإظهار “قوة استبدادية”، بينما اعتبر مستثمر بارز أن البلاد باتت تدار من قبل “ملك”. اليوم، لا يخجل ترامب من هذه الصورة، ويتحدث عن ترحيل مواطنين أميركيين ويهاجم الجامعات الكبرى، بينما يتفاعل مؤيدوه بتصفيق حار.

إدارة بلا كوابح… والولاء معيار النجاح الوحيد

الإدارة الحالية لترامب تبدو خالية من أي حواجز أو أصوات عقلانية. لم يعد في البيت الأبيض جنرالات كجون كيلي أو إتش آر ماكماستر، بل مستشارون صاعدون يفتقرون للخبرة ولا يعرفون إلا الولاء. وزير الدفاع الحالي، بيتر هيغسث، مثال صارخ على هذا التحوّل.

فضائح البنتاغون… وصمت الرئيس

في 2016، كان هيغسث من بين أكثر المنتقدين لهيلاري كلينتون بسبب تعاملها مع المعلومات السرية. اليوم، هو نفسه يتباهى بمشاركة خطط عسكرية مع عائلته وأصدقائه، ويغضب حين يُسأل عن ذلك. المتحدث السابق باسم البنتاغون، جون أوليوت، وصف الوضع في الوزارة بأنه “انهيار شامل”، مشيرًا إلى تسريبات وخروقات وقرارات عشوائية.

 

ستيف بانون، العقل الاستراتيجي السابق لحملة ترامب، قال يومًا إن التاريخ سيصنفه ضمن “أسوأ ثلاثة رؤساء في تاريخ أميركا”، إلى جانب جيمس بوكانن وميلارد فيلمور. هؤلاء كانوا قادة فشلوا في منع الانقسام الذي سبق الحرب الأهلية. يبدو أن بانون لم يكن بعيدًا عن الواقع.

حتى الجمهوريون خائفون… و”الانتقام” بات سلاحًا سياسيًا

أعربت السناتورة الجمهورية ليزا موركوفسكي عن خوفها العلني من انتقام ترامب، قائلة: “نحن جميعًا خائفون… وأشعر بالقلق من استخدام صوتي لأن الانتقام حقيقي”. تصريح كهذا من عضو في مجلس الشيوخ يكشف حجم الترهيب الذي تمارسه الإدارة حتى على رفاق الحزب.

مع حلول الرابع من يوليو 2026، ستبلغ الولايات المتحدة عامها الـ250، ويكون ترامب قد قضى 18 شهرًا في منصبه الجديد. بالنظر إلى ما فعله في أقل من 100 يوم، لا يمكن تصور ما قد يُقدم عليه في بقية ولايته. السؤال لم يعد ماذا سيفعل، بل كم سيتبقى مما بناه الأميركيون خلال قرنين ونصف.

خلود عاشور

خلود عاشور خريجة كلية دار العلوم، تمتلك خبرة واسعة في مجال الصحافة الإلكترونية، حيث عملت في عدة مواقع متخصصة، وركزت بشكل أساسي على تغطية أخبار وقضايا التعليم. تمتاز بأسلوبها التحليلي وقدرتها على تبسيط المعلومات المعقدة للقراء، مما جعلها مصدرًا موثوقًا في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى