شهوة الجماهير تكشف أسرار قصص أشرار التكنولوجيا وكيف تُصنع الأساطير
شهوة الجماهير لقصص أشرار التكنولوجيا: الكشف عن كيفية صناعة الأساطير

انفجرت سُحب من الفضائح والانهيارات في عالم التكنولوجيا، لدرجة أنني لم أتمكن من الإشارةشهو الجماهير لقصص اشرار التكنولوجيا سوى إلى القليل منها في هذا السياق، اللافت أن شغفنا بقصص الفشل والانحرافات في عالم التقنية لا يقل عن إعجابنا بقصص النجاح والتأسيس. سام بانكمان-فرايد يُعدّ مثالًا مثيرًا للاهتمام، سواء صُوّر كمدير تنفيذي حافي القدمين يوزع ثروته بسخاء، أو كمحتال غير كفء يبعثر مدخرات مستثمريه.
وبالمثل، نتابع إيلون ماسك بشغف سواء عندما يغزو الفضاء أو حين يطيح بتويتر (الذي بات يُعرف بـ”إكس”) وبأركان الدولة الإدارية الأمريكية. نحن نعيش كابوسًا ما بعد حداثيًا، حيث الحقيقة والذوق لم يعودا محل خلاف فقط، بل أصبحا بلا أهمية.
لماذا تزدهر الأفلام الوثائقية في عصر الهواتف الذكية؟
في العقد الأخير، تزايد إنتاج الأفلام الوثائقية بوتيرة غير مسبوقة، ويكفي أن نشير إلى المنافسة الغريبة بين فيلمين عن مهرجان “فاير” اللذين أُطلقا في التوقيت نفسه. السبب بسيط: منذ صعود التلفزيون الواقعي وتحوّل الهواتف الذكية إلى آلات تصوير دائمة، بات لدينا كم هائل من اللقطات المصورة لكل شيء ولكل شخص. وسائل التواصل الاجتماعي بدورها ساهمت في إلغاء الحدود بين الفرجة والنقاش، وأنتجت سيلًا من المحتوى السطحي، عديم السردية، يصنعه الجميع ولا ينتمي لأحد. وبينما نحاول فهم هذا الهيمنة الرقمية، نركّز على “الرجال العظام” خلف المنصات، متجاهلين المليارات الذين تبرعوا بأوقاتهم واعترافاتهم وإبداعهم لبناء هذه العوالم الافتراضية.
“كيو أنون”: خرافة جماعية صنعتها الإنترنت
المثال الأبرز على هذه الديناميكية يظهر في سلسلة HBO الوثائقية Q: Into the Storm، التي تتبعت أصول نظرية المؤامرة المعروفة بـ”كيو أنون”. حصل المخرج كولين هوباك على وصول استثنائي إلى جيم ورون واتكنز، الثنائي الأب والابن اللذين كانا يديران منتدى 8chan من الفلبين، حيث بدأت منشورات “كيو” تظهر، مقدمة نفسها كصوت داخل “الدولة العميقة” يكشف أسرار شبكة من المتحرشين الجنسيين النافذين، ولا يستطيع وقفها سوى الرئيس المخلّص: دونالد ترامب.
توصل هوباك إلى ما توصّل إليه صحفيون كُثر قبله: أن رون واتكنز هو من تولى نشر رسائل “كيو” منذ 2017، وأن والده جيم كان له دور في الترويج لهذه الحملة. لكن الأهم أن “كيو” لم يكن شخصًا واحدًا، بل سردية جماعية نشأت على منصة تتيح للجميع أن يكتب ويؤثر، وهو ما يوضح قوة “النشوء التشاركي” في الإنترنت.
الشعب يصنع القوة.. لكنها تخدم الأقوياء
رغم أن “كيو أنون” انطلقت من قاعدة جماهيرية وتفاعلية، فإنها وُجهت بالكامل لخدمة شخصية هي من أقل الشخصيات استحقاقًا وأكثرها نفوذًا: دونالد ترامب. وهذا يعكس نمطًا متكررًا في عالم ما بعد الحقيقة، حيث تُستغل عبقرية الجماهير وطاقاتهم الإبداعية لخدمة الأثرياء والنافذين. إنها نسخة مصغّرة من وسائل التواصل الاجتماعي ذاتها، أو حتى من النموذج الأمريكي العام، حيث تُخلق القيمة من قبل الناس العاديين، بينما يجني ثمارها القلة القوية. وكما يقول أخي الماركسي: “العمال يصنعون القيمة، حتى وهم بلا سلطة”.
من هم فعلاً “الرجال العظام”؟
طبقة المليارديرات الحالية تمتلك من القوة والنفوذ ما لم يسبق أن امتلكه أي إنسان في التاريخ. ومع ذلك، فإن مسؤوليتهم تجاه المجتمعات والبيئة والعدالة لا تزال غائبة أو هامشية. علينا أن نعيد النظر في هذه السرديات التي تُقدمهم كأبطال مخلّصين. المطلوب ليس فقط فرض ضرائب أكثر عدالة أو تفكيك احتكاراتهم أو دعم النقابات في مواجهتهم، بل أيضًا تفكيك سرديات الهيمنة ذاتها التي تُلبسهم عباءة “العظمة”.
تآكل صورة “المنقذ التكنولوجي”
لحسن الحظ، بدأت صورة هؤلاء “العباقرة المصطنعين” تتآكل. فمليارديرات التكنولوجيا باتوا يُنظر إليهم على نحو متزايد كأشخاص متعجرفين، مهووسين بذواتهم، قصيري النظر، وأحيانًا مثيرين للشفقة. وهذا ينطبق حتى على ترامب نفسه، الذي رغم غرابة خطاباته وسياساته، لم يمنعه شيء من الفوز في الانتخابات، حتى بعد أن تحدث عن “هانيبال ليكتر” وراح يتمايل بنعاس على أنغام Ave Maria وسط حملاته.
الدعاية أقوى من الفشل
رغم هذا الانحدار في السمعة، لا يزال هؤلاء يعرفون جيدًا أن “كل دعاية هي دعاية جيدة”. بيلي ماكفارلاند – عرّاب مهرجان “فاير” الفاشل – عاد مؤخرًا إلى الواجهة، معلنًا رغبته في إطلاق “فاير 2″، مستفيدًا من الهالة التي خلقتها فضيحته السابقة. أمثال آدم نيومان، مؤسس WeWork، حصل على أكثر من مليار دولار لمجرد انسحابه من شركته، رغم فشله الفادح. إن مجرد فشلهم لا يكفي لإقصائهم، فهؤلاء لا يسقطون بل “يصعدون من فشلهم”.