علوم وتكنولوجيا

الصين تكشف عن دفاعات ليزريه متطورة في قلب العاصمة بكين

 

في تطور يعكس حجم التحولات في معايير الأمن العسكري والتقني، أعلنت شركة صناعة الطيران الصينية الحكومية (AVIC) عن نشر أنظمة دفاعية معتمدة على الطاقة الموجّهة بالليزر في وسط بكين، خلال الاحتفالات بالذكرى الثمانين لانتصار الصين في “حرب المقاومة الشعبية ضد العدوان الياباني” ونهاية الحرب العالمية الثانية. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء أمني تقليدي لتأمين عرض عسكري حضره قادة الحزب الشيوعي والجيش، بل مثلت عرض قوة تكنولوجي ورسالة موجهة للعالم بأن الصين تدخل مرحلة جديدة من اعتمادها على أسلحة الجيل القادم في حماية منشآتها الحيوية ومدنها الكبرى.

نشر منظومات “قوانغجيان” (Guangjian) مثل النسخ 11E و21A في مواقع حساسة كقصر تشيانمن، شارع وانغفوجينغ التجاري، ومطار العاصمة بكين الدولي، عكس مدى ثقة السلطات في هذه التكنولوجيا. الأنظمة أُوكلت إليها مهمة توفير مظلة أمنية منخفضة الارتفاع لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة، وهو خطر يتصاعد عالميًا مع تطور الطائرات الصغيرة وسهولة استخدامها في عمليات تجسس أو هجمات دقيقة. ما ميّز هذه التجربة أنها اعتُبرت اختبارًا عمليًا واسع النطاق ضمن بيئة مدنية مكتظة، وهو ما جعلها سابقة مهمة في الاستخدام الميداني لتكنولوجيا الليزر الدفاعية.

عرض قوة في احتفال تاريخي

ارتبط الإعلان عن الأنظمة الجديدة بحدث وطني بالغ الرمزية، إذ جاء في سياق احتفال عسكري ضخم بذكرى الانتصار على اليابان في الحرب العالمية الثانية. هذا الارتباط لم يكن صدفة، بل هدف إلى تعزيز صورة الصين كقوة صاعدة قادرة على الجمع بين استحضار الماضي والانطلاق نحو المستقبل. فالرسالة الموجهة للجمهور الداخلي والخارجي أن الصين لا تحتفل بإنجازات الأمس فقط، بل تعرض في الوقت ذاته أدوات الردع الجديدة التي ستحمي سيادتها في العقود المقبلة.

أنظمة “قوانغجيان”: التكنولوجيا في خدمة الأمن

سلسلة “Guangjian” تمثل جيلًا جديدًا من أنظمة الطاقة الموجهة، طُورت بالكامل محليًا من قبل AVIC. وتعمل هذه الأنظمة باستخدام أشعة ليزر عالية الطاقة قادرة على تعطيل أو تدمير الطائرات المسيّرة منخفضة الارتفاع. الهدف الأساسي هو حماية المراكز المدنية والحكومية من تهديدات يصعب التعامل معها بالوسائل التقليدية، خاصة الطائرات الصغيرة التي يمكن أن تتجاوز الدفاعات الجوية التقليدية. نشر هذه المنظومات يعكس تقدم الصين في دمج الابتكار التكنولوجي بالأمن الداخلي.

الأمن الحضري ومخاطر الطائرات المسيّرة

 

التجربة الصينية جاءت استجابة لتصاعد الخطر المرتبط بالطائرات بدون طيار في البيئات المدنية. فخلال السنوات الأخيرة، شهدت العديد من العواصم العالمية حوادث اختراق لأجوائها عبر مسيّرات صغيرة، بعضها لأغراض تجسسية والبعض الآخر لمحاولات هجومية. في هذا السياق، تبدو بكين كأنها تضع نموذجًا عالميًا جديدًا لتأمين المدن الكبرى، خاصة في الفعاليات الحساسة، من خلال الاعتماد على أنظمة ليزرية قادرة على الرد الفوري دون الحاجة لاستخدام أسلحة نارية أو صواريخ قد تهدد المدنيين.

نتائج تشغيلية بلا أخطاء

بيان AVIC أكد أن الأنظمة أدت مهامها “من دون أي خطأ” خلال العرض، مع تحقيق عدة حالات رصد دقيقة لأهداف محتملة. هذا الأداء يعكس أن التكنولوجيا باتت ناضجة بما يكفي لتطبيقها عمليًا في بيئة حضرية مزدحمة، وهو ما يشكل قفزة مقارنة بمرحلة التجارب السابقة التي غالبًا ما كانت تُجرى في مواقع عسكرية مغلقة. نجاح هذه التجربة سيشجع بكين على توسيع نطاق استخدامها في فعاليات أخرى وربما نشرها بشكل دائم في العاصمة.

معايير تشغيل “صفر خطأ”

اللافت أن الأنظمة نُشرت وفق معايير تشغيل صارمة وُصفت بأنها “صفر خطأ وصفر خلل”، ما يكشف أن الصين أرادت أن تُظهر قدرتها ليس فقط على تطوير التكنولوجيا، بل على إدارتها بأعلى درجات الانضباط. هذا الجانب يعزز الثقة في أن الجيش والشركات الصينية باتوا قادرين على دمج هذه الأنظمة ضمن منظومة دفاعية متكاملة دون تهديد المدنيين أو إرباك المجال الجوي المدني.

رسالة إلى العالم حول جاهزية التكنولوجيا

استخدام أنظمة متعددة من الطاقة الموجهة في وقت واحد وفي بيئة حضرية يعكس ثقة الصين في نجاعة هذه المنظومات. الرسالة الأوضح للعالم هي أن بكين باتت تملك بالفعل دفاعات عملية لمواجهة تحديات المستقبل، خصوصًا في ظل تزايد الحديث عن استخدام المسيّرات في النزاعات المسلحة وحروب المدن. الصين لا تكتفي بالبحث والتطوير، بل تعلن أنها قادرة على نشر تكنولوجيا الليزر بكفاءة عالية في أي وقت ومكان.

الأمن الداخلي والدعاية الاستراتيجية

لا يمكن فصل هذا الاستعراض التكنولوجي عن الدعاية الاستراتيجية التي تسعى بكين لترسيخها. فإظهار قدرة الأنظمة على حماية قادة الحزب الشيوعي وملايين المشاركين في العرض العسكري، يحمل رسالة للداخل بأن الدولة مسيطرة وآمنة، وللخارج بأن الصين جاهزة لمواجهة أي تهديد تقني حديث. في الوقت ذاته، يُستخدم هذا النجاح لإبراز مكانة AVIC كرمز للتفوق الصناعي والتكنولوجي الوطني.

آفاق مستقبلية لتكنولوجيا الليزر الصينية

مع نجاح تجربة بكين، من المرجح أن تتوسع الصين في نشر أنظمة “قوانغجيان” في مدن ومناطق استراتيجية أخرى، بما في ذلك البنى التحتية الحيوية مثل المطارات ومحطات الطاقة والمراكز الحكومية. كما قد تسعى لتسويق هذه التكنولوجيا لدول صديقة تسعى لمواجهة تهديد المسيّرات المتزايد. بذلك، لا يمثل الحدث مجرد تجربة محلية، بل خطوة على طريق تحويل الصين إلى لاعب عالمي في سوق الأسلحة الليزرية الموجهة.

اقرا ايضا

اطلاله أنيقة لهيدي كرم تشعل تفاعل جمهورها علي إنستجرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى