هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها دون الولايات المتحدة ؟
أوروبا والدفاع المستقل: هل تستطيع مواجهة التحديات الأمنية دون الولايات المتحدة؟

مع انشغال الولايات المتحدة بمنافسة الصين في آسيا، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بنزعة انعزالية متصاعدة وتشكيك في التزامات الناتو، تجد أوروبا نفسها أمام سؤال وجودي: هل تستطيع حماية أمنها دون الاعتماد على واشنطن؟
الجواب الذي يطرحه الكاتبان ماثيو بورووز ويوسف برامل، باختصار، هو: نعم، ولكن بثمن باهظ وجهد شاق.
قراءة جديدة لتراث براندت: السلام عبر القوة
يستدعي المقال إرث المستشار الألماني الراحل “فيلي براندت” ومستشاره “إيكون بار”، حيث شكّلت سياستهما الشهيرة أوست بوليتيك نهجًا في الانفتاح على الشرق إبان الحرب الباردة. غير أن المقال يوضح أن هذا الانفتاح لم يكن ساذجًا أو مدفوعًا بحسن النية وحدها، بل كان ممكنًا لأنّ الولايات المتحدة وأوروبا امتلكتا الردع العسكري الكافي الذي منح الدبلوماسية وزناً حقيقياً.
دروس الغزو الروسي لأوكرانيا: العدوان بدافع الضعف
يقدّم الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 دليلاً على أن العدوان لا يأتي دائمًا من فائض القوة، بل أحيانًا من شعور بالحصار والضعف. ينقل المقال أن تصرفات موسكو ليست بالضرورة إمبريالية توسعية كما يرى الغرب، بل هي استجابة دفاعية من نظام يرى نفسه محاطًا بخصوم توسعوا شرقًا رغم تعهدات سابقة.
لكن حتى مع هذا الفهم، فإن تجاهل التهديد الروسي أو الاكتفاء بالدبلوماسية فقط قد يؤدي إلى التمادي في العدوان.
أوروبا بحاجة إلى “يد ممدودة وسيف مسلول”
لذلك، يوصي الكاتبان بسياسة مزدوجة تقوم على:
تعزيز الردع العسكري الحقيقي — ببناء القدرات الدفاعية التقليدية والنووية بشكل مستقل عن الولايات المتحدة.
تجديد القنوات الدبلوماسية مع روسيا — بما يشمل مفاوضات حول إعادة صياغة بنية الأمن الأوروبي، مع إشراك روسيا بدلاً من عزلها تمامًا.
ما الذي يمكن أن تفعله أوروبا فعليًا؟
الانسحاب الرسمي من وعود انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو: خطوة رمزية تهدف لطمأنة موسكو ضمن حزمة أوسع لإعادة صياغة الأمن الأوروبي.
إحياء معاهدة القوات التقليدية في أوروبا (ACFE): وتحديثها بما يناسب الواقع بعد حرب أوكرانيا، لإعادة التوازن العسكري على القارة.
تطوير قوة ردع نووية أوروبية: سواء عبر الاعتماد على قدرات فرنسا أو بناء منظومة مستقلة لردع الابتزاز النووي الروسي.
خطر “الصفقات الكبرى”: ماذا لو قررت واشنطن التضحية بأوروبا؟
يحذّر الكاتبان من سيناريو قديم جديد:
أن تعقد واشنطن وموسكو صفقة كبرى تضمن وقف الحرب مقابل تنازلات في أوكرانيا، مع تخفيف العقوبات، مقابل سلوك “جيد” من روسيا في ملفات تهم الولايات المتحدة أكثر من أوروبا.
في هذا السيناريو، تكون أوروبا هي الخاسر الأكبر، كما حدث مرارًا خلال الحرب الباردة حين جرى تجاوز مصالح أوروبا الشرقية في سبيل الاستقرار الدولي.
أوروبا المسالمة… تحتاج إلى أنياب
يختتم المقال بتذكير أوروبي واقعي: إذا كانت أوروبا تريد أن تظل منطقة سلام، فإن السلام لا يصان بالشعارات فقط، بل بالقوة والقدرة على الردع.
سياسة براندت للسلام لم تكن انسحابًا من الواقع، بل رؤية استراتيجية استخدمت القوة العسكرية كأداة لفتح أبواب الدبلوماسية. واليوم، يجب على أوروبا أن تحذو حذوها — ولكن دون الاعتماد الأعمى على الحليف الأمريكي الذي تتغير أولوياته السياسية باستمرار.