عربي وعالمي

صراع داخل القيادة الإسرائيلية: انقسام بين الحكومة والجيش حول مستقبل غزة

ضغوط وخلافات سياسة تتسرب الى العلن وتربك المشهد

وسط تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على إسرائيل بشأن استراتيجيتها في قطاع غزة، بدأت تظهر انقسامات واضحة بين القيادة السياسية والجيش حول ما إذا كان ينبغي التوجه نحو إعادة احتلال كامل للقطاع. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه الآن خلافًا غير مسبوق مع كبار قادة جيشه، الذين يتحفظون على المضي في عملية عسكرية شاملة قد تزيد من التكاليف الإنسانية والعسكرية، وتضع الجيش في قلب أزمة ممتدة من دون مخرج واضح. هذه الانقسامات تُسلط الضوء على المعضلة التي تواجهها إسرائيل: بين السعي لتحقيق “نصر كامل” على حركة حماس، وبين القيود الواقعية التي يفرضها الواقع الميداني والضغوط الدولية المتصاعدة.

 

ضغوط سياسية تقود نحو التصعيد الكامل

 

أعضاء في الحكومة الإسرائيلية، خصوصًا من الجناح اليميني المتشدد مثل إيتمار بن غفير، يضغطون بقوة من أجل شن هجوم شامل على ما تبقى من قطاع غزة، حتى لو استدعى ذلك إعادة احتلال القطاع بالكامل. هؤلاء الوزراء يذهبون إلى حد إعلان أن الجيش ملزم بتنفيذ أوامر الحكومة حرفيًا، حتى وإن تضمنت اجتياحًا بريًا كاملًا. هذا الخطاب السياسي المتشدد لا يستند فقط إلى الطموحات العسكرية، بل يعكس أيضًا رهانات سياسية داخلية، حيث يسعى نتنياهو وحلفاؤه لإظهار حزم في مواجهة التحديات الأمنية، خاصة في ظل تراجع شعبيته وخسارته للدعم الدولي.

تحفظات الجيش ومخاوف من الإنهاك والتورط

في المقابل، يبدي الجيش الإسرائيلي، بقيادة رئيس الأركان إيال زامير، ترددًا متزايدًا إزاء المضي في حملة عسكرية شاملة داخل غزة. مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية تؤكد أن القادة العسكريين يحذرون من أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا، ويعرض حياة الرهائن الإسرائيليين للخطر، ويثقل كاهل الجيش الذي يعاني أصلاً من الإنهاك بعد 22 شهرًا من القتال المتواصل. وقد بدأ زامير مؤخرًا بتقليص عدد القوات المنتشرة داخل غزة، وأعلن عن نيته تقليص فترات الخدمة الإلزامية للجنود، في محاولة لبدء مرحلة من إعادة التأهيل العسكري للقوات المتعبة.

 

الولايات المتحدة تراقب بصمت ولكن بتأثير

رغم الدعم المعلن من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستمرار العمليات الإسرائيلية، إلا أن موقف واشنطن بدا أقل حماسة إزاء فكرة اجتياح كامل للقطاع. ترامب لم يبدِ اعتراضًا علنيًا، لكنه أكد أنه “يركز على إطعام الناس في غزة”، وهو ما يُقرأ كرسالة مزدوجة: دعم ضمني لإسرائيل مع رغبة في تجنّب انفجار إنساني أوسع قد يحرج الولايات المتحدة على الساحة الدولية. هذا التردد الأميركي قد يفسر جزئيًا استمرار التردد داخل القيادة الإسرائيلية، إذ أن غياب الضوء الأخضر الأميركي الكامل يجعل أي خطوة عسكرية كبيرة محفوفة بالمخاطر السياسية والدبلوماسية.

الخلافات تتسرب إلى العلن وتربك المشهد

التوترات بين الحكومة والجيش لم تعد محصورة في الغرف المغلقة، بل باتت مادة للنقاش العلني. وزير الدفاع يوآف غالانت، رغم محاولته تهدئة الأجواء، أكد على حق رئيس الأركان في التعبير عن رأيه، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن “الجيش سينفذ قرارات القيادة السياسية بحزم”. في المقابل، رد نجل نتنياهو ومستشاره المقرب، يائير نتنياهو، باتهام الجيش بمحاولة تنفيذ “انقلاب عسكري” يشبه جمهوريات الموز، وهو تصريح يعكس مستوى التوتر داخل النظام الإسرائيلي، ويضع المؤسسة العسكرية في موقف دفاعي محرج أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي.

 

رهائن غزة: الورقة الأخطر في المعادلة

في قلب هذا الصراع الاستراتيجي تكمن مسألة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، والذين بات مصيرهم عنصرًا محوريًا في تحديد سقف العمليات العسكرية. تقول مصادر أميركية وإسرائيلية إن حماس لم تُبدِ حتى الآن أي استعداد جدي للعودة إلى طاولة المفاوضات، ما يضع إسرائيل أمام خيارين: إما التصعيد العسكري في محاولة لتحرير الرهائن بالقوة، أو انتظار فرصة تفاوضية مستقبلية. لكن أي تحرك عسكري واسع في المناطق المكتظة بالسكان – مثل غزة سيتي ودير البلح – من شأنه أن يعقّد مهمة تحرير الرهائن ويُفاقم الكارثة الإنسانية، وهو ما يجعل الجيش أكثر تحفظًا من القيادة السياسية.

السيناريوهات المحتملة: بين الاجتياح الكامل والحرب المحدودة

في ظل الانقسام الواضح، تشير التحليلات العسكرية إلى احتمال تبني خيار “الضغط المتصاعد” بدلًا من الاجتياح الكامل، أي تنفيذ عمليات محدودة داخل بعض أحياء غزة، مدعومة بضربات جوية دقيقة، مع تجنب تحمّل عبء إداري كامل للقطاع. هذا السيناريو يتيح لإسرائيل الإبقاء على الضغط العسكري والسياسي على حماس دون التورط في مستنقع طويل الأمد. لكن، يبقى هذا الحل محفوفًا بالمخاطر أيضًا، خصوصًا في حال تسبب بمزيد من النزوح أو المجازر الجماعية، ما قد يُشعل موجة جديدة من الانتقادات الدولية والعقوبات المحتملة.

 

في الختام: أزمة قيادة أم أزمة هدف؟

الأزمة داخل القيادة الإسرائيلية لا تعكس فقط خلافًا حول التكتيك، بل أزمة أعمق تتعلق بغياب تصور واقعي لنهاية الحرب. بينما تتحدث الحكومة عن “هزيمة كاملة لحماس”، يدرك القادة العسكريون أن هذا الهدف ربما يكون غير قابل للتحقيق ضمن الأدوات العسكرية المتاحة. ومع تزايد الضغط الدولي، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وتراجع الانضباط داخل النظام السياسي، تبدو إسرائيل في مفترق طرق حرج. ما لم يتم التوصل إلى استراتيجية متماسكة تحظى بتوافق بين السياسيين والعسكر، فإن الحرب في غزة مرشحة للاستمرار دون أفق واضح، ودون نهاية تضمن الأمن لإسرائيل أو العدالة للفلسطينيين.

إقرا ايضَا…

تايوان تتسلّم ذخائر “التيّاه” الأميركية وسط تصاعد التوتر مع بكين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى