لماذا تفشل الشرطة البريطانية في حل معظم الجرائم؟
الجرائم أصبحت أكثر تعقيدًا... والشرطة لم تواكب التطور

عندما بدأ الضابط ستان جيلمور خدمته في شرطة بريطانيا عام 1993، كانت الجرائم التي يحقق فيها يوميًا تقليدية وواضحة المعالم: سرقة منزل، زجاج مهشم، ممتلكات مفقودة، وجيران مستعدون للتعاون. لم تكن هناك كاميرات مراقبة أو هواتف ذكية، بل أدوات بسيطة وتحقيقات ميدانية مباشرة.
في ذلك الوقت، كانت بريطانيا على قمة موجة الجرائم التي بلغت ذروتها عام 1995، مع تسجيل نحو 20 مليون جريمة في إنجلترا وويلز. وعلى مدى العقود الثلاثة التالية، انخفض عدد الجرائم تدريجيًا إلى أقل من 5 ملايين بحلول 2023، ويرجع ذلك أساسًا إلى تطور تقنيات الحماية، لا إلى كفاءة الشرطة.
انهيار معدلات الكشف عن الجرائم
لكن مع تراجع عدد الجرائم، انهارت نسبة الجرائم التي يتم حلها. ففي عام 2015، كانت واحدة من كل ست جرائم تنتهي بتوجيه تهمة أو استدعاء قانوني، بينما أصبح المعدل اليوم واحدة فقط من كل عشرين جريمة.
ورغم أن المواطن العادي أقل عرضة الآن لأن يكون ضحية، إلا أن فرص تحقيق العدالة إذا وقعت الجريمة تقلصت بشكل كبير.
جريمة أكثر ذكاءً… وشرطة بطيئة التطور
غالبًا ما تُعزى أزمة الشرطة إلى نقص التمويل، خاصة بعد اقتطاعات كبيرة بين عامي 2010 و2018 أدت إلى تقاعد أعداد كبيرة من الضباط. إلا أن التحدي الأعمق هو أن طبيعة الجريمة تغيرت، بينما بقيت الشرطة على حالها.
ففي التسعينيات، كانت الجرائم متكررة لكنها بسيطة: سيارات تُسرق ثم تُباع، لصوص هاوون، وأدلة ظاهرة. أما اليوم، فالصورة مختلفة تمامًا.
الجرائم الجنسية: زيادة البلاغات… وتراجع العدالة
بلغ عدد الجرائم الجنسية المُبلَّغ عنها حوالي 200 ألف حالة سنويًا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل عشرين عامًا. لكن نسبة توجيه التهم لا تتجاوز 4.2% فقط. ورغم أن زيادة البلاغات تعكس تحسنًا في وعي الضحايا، فإن طول التحقيقات وسوء تعامل الشرطة يدفع الكثير من الضحايا إلى الانسحاب من القضية قبل وصولها للمحكمة.
عصابات محترفة تسرق سيارات وهواتف ذكية
سرقة السيارات عادت للارتفاع بنسبة 75% منذ عام 2013، لكن الجناة هذه المرة ليسوا مراهقين طائشين، بل عصابات منظمة تستخدم أجهزة إلكترونية متطورة لسرقة سيارات فاخرة تُهرب لاحقًا إلى الخارج.
أما سرقة الهواتف المحمولة فأصبحت مشهدًا مألوفًا في شوارع لندن، حيث تُنتزع الهواتف من أيدي المارة بواسطة لصوص ملثمين على دراجات نارية. أكثر من 70 ألف هاتف سُرق في لندن وحدها العام الماضي، ما يجعلها عاصمة أوروبا في سرقة الهواتف.
بيانات كثيرة… لكن قدرة ضعيفة على التحليل
رغم أن الهواتف والكاميرات توفر كميات هائلة من البيانات المفيدة، فإن الشرطة البريطانية تعاني في تحليلها واستغلالها بالشكل الفعّال. في المقابل، تزداد صعوبة تعقب العصابات التي باتت تستخدم وسائل اتصال مشفرة وتتحرك عالميًا.
كما أن المتطلبات القانونية لإثبات الجريمة أصبحت أكثر تعقيدًا: من مجرد شهادة شاهد إلى ضرورة تقديم أدلة متعددة، مثل فيديوهات كاميرات، وتحليلات DNA، وبيانات رقمية.
جهاز شرطة مثقل بالأعباء البيروقراطية
التحقيقات الحديثة قد تتطلب معالجة ما يصل إلى 20 نوعًا مختلفًا من الأدلة، ما يُثقل كاهل المحققين ويقلص وقتهم لمعالجة الجرائم اليومية. وفي ظل هذا العبء، بات حتى التعامل مع جرائم بسيطة عملية مرهقة وغير فعالة.
ظاهرة عالمية… لكن بريطانيا الأسوأ
صحيح أن دولًا أخرى شهدت تراجعًا في معدلات كشف الجرائم، لكن الانحدار في بريطانيا كان أكثر حدة، بحسب ما يؤكده علماء الجريمة.
ويُنتظر صدور ورقة حكومية بيضاء قريبًا لطرح خطة إصلاحية شاملة، خصوصًا بعد تضاعف جرائم السرقة من المتاجر خلال عامين فقط. ويبدو أن حتى اللصوص لم يعودوا يخشون القبض عليهم.
اقرأ أيضاً السباق نحو “السماء المسلحة”: كيف تستعد أمريكا لحرب الأقمار الصناعية؟
الخلاصة
الشرطة البريطانية اليوم تواجه جريمة أكثر ذكاءً واحترافًا، لكنها ما زالت تستخدم أدوات ومناهج تعود إلى القرن الماضي. السباق الحقيقي الآن ليس ضد المجرمين فقط، بل ضد الزمن والتكنولوجيا التي تغير وجه الجريمة يومًا بعد يوم.