تركيا تنشئ مصنعًا لذخائر المدفعية في العراق
تحالف دفاعي جديد يعزز الاستقلال العسكري لبغداد

أعلنت تركيا توقيع اتفاقية مع العراق لإنشاء مصنع لإنتاج ذخائر المدفعية على الأراضي العراقية، في خطوة تعكس عمق التعاون العسكري المتنامي بين البلدين.
المشروع سيُدار من قبل شركة “أسفات” التركية، وهي شركة مملوكة للدولة ومتخصصة في الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا.
أهداف المصنع الدفاعي التركي في العراق
يتضمن المشروع إنتاج ذخائر مدفعية عيار 155 ملم، وقذائف هاون عيار 81 و120 ملم، بالإضافة إلى حشوات دافعة متطورة.
ويأتي إنشاء هذا المصنع في إطار مساعٍ عراقية لتعزيز القدرات العسكرية المحلية، وتقليل الاعتماد على واردات الذخائر الأجنبية في ظل بيئة أمنية مضطربة.
يمثل هذا المصنع خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية العراقية، ويسهم في تحسين سرعة الاستجابة للتهديدات الأمنية، خاصة في المحافظات الشمالية التي تواجه تحديات من جماعات مسلحة غير نظامية.
أهمية الاتفاقية في العلاقات التركية العراقية
يعكس هذا المشروع تحسنًا ملحوظًا في العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق، بعد سنوات من التوتر بسبب العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ومنذ عام 2020، بدأت أنقرة في إعادة بناء علاقاتها مع بغداد، بالتوازي مع الحفاظ على علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان.
وقد تُوج هذا التقارب بتوقيع مذكرة تفاهم أمني في مارس 2024، أعلنت خلالها الحكومة العراقية تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، بما يتماشى مع الموقف التركي.
كما شهد أبريل 2024 زيارة تاريخية للرئيس رجب طيب أردوغان إلى بغداد، حيث اتُفق على تحويل القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة إلى مركز تدريب مشترك، في إطار توسيع التعاون العسكري.
تركيا توسع نفوذها الإقليمي عبر العراق
يأتي هذا الاتفاق في وقت تسعى فيه تركيا إلى تعزيز حضورها الأمني والاقتصادي في العراق، مستفيدة من تراجع النفوذ الإيراني نسبيًا، ومن الضغط الأمريكي السابق لتقليل اعتماد العراق على طهران.
ويسعى الجانب التركي إلى استغلال هذه الظروف لتوسيع نفوذه في الشرق الأوسط من خلال تحالفات استراتيجية متعددة الأبعاد.
وفي هذا السياق، لا يقتصر التعاون على المجال الدفاعي فقط، بل يشمل أيضًا القطاع النفطي، حيث استؤنفت في 2025 المفاوضات بشأن خط أنابيب العراق-تركيا، بعد توقف دام أكثر من عامين.
ويُعد هذا الخط مصدرًا حيويًا للعائدات العراقية، مع تقديرات بخسائر تتجاوز 19 مليار دولار بسبب التوقف.
أبعاد صناعية وعسكرية متكاملة
ترى أنقرة أن هذا النوع من الشراكات الدفاعية يعكس طموحها لأن تصبح قوة صناعية وعسكرية مكتفية ذاتيًا، ضمن سياسة بدأت منذ عام 2015 لتعزيز إنتاجها الدفاعي الوطني.
ومن خلال توفير التكنولوجيا وبناء القدرات الدفاعية العراقية، تسعى تركيا إلى توسيع قاعدة نفوذها الاستراتيجي في منطقة تعج بالصراعات والتحالفات المتغيرة.
إنشاء مصنع ذخائر المدفعية في العراق يمثل أكثر من مجرد تعاون تقني؛ إنه جزء من إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية
هذا المشروع تتداخل فيه السياسة والأمن والاقتصاد في مشروع واحد ويؤكد هذا التعاون المتعدد المستويات بين أنقرة وبغداد أن تركيا تواصل ترسيخ موقعها كلاعب محوري في الشرق الأوسط، في وقت يشهد فيه الإقليم تحولات استراتيجية معقدة.