عربي وعالمي

إسرائيل على صفيح ساخن: “المدينة الإنسانية” تفجّر انقسامًا بين الحكومة والجيش

خطة "المدينة الإنسانية" تثير عاصفة من الانقسامات داخل إسرائيل وتحذيرات دولية من كارثة إنسانية وشيكة في غزة.

 

بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة وسط ضغوط دولية متزايدة، اندلع خلاف سياسي وعسكري داخلي حول خطة مثيرة للجدل لبناء “مدينة إنسانية” للفلسطينيين في جنوب القطاع. الخطة، التي وصفها رئيس وزراء إسرائيلي سابق بأنها أشبه بـ”معسكر اعتقال”، فجّرت انقسامات غير مسبوقة بين الحكومة والجيش، وسط تحذيرات من تداعيات إنسانية وسياسية خطيرة.

مشروع محفوف بالجدل

الخطة، التي أعلنها وزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال غياب رئيس الوزرا بنيامين نتنياهو في زيارة رسمية إلى واشنطن، تهدف إلى إقامة مخيم ضخم بالقرب من الحدود المصرية في رفح، يُطلق عليه اسم “المدينة الإنسانية”. وبحسب كاتس، فإن المشروع سيبدأ باستيعاب نحو 600 ألف فلسطيني، مع نية توسيعه لاحقًا ليضم كامل سكان قطاع غزة. الفلسطينيون داخل هذا المخيم لن يُسمح لهم بالمغادرة إلا في حال سفرهم إلى دول أخرى، وهو ما اعتبره مراقبون نوعًا من “الترانسفير الناعم”.

اقرا أيضاً:

الدنمارك بقيادة يسارية تتبنى سياسات هجرة يمينية تثير جدلًا واسعًا في أوروبا

اعتراضات عسكرية ومالية

المؤسسة العسكرية لم تخفِ معارضتها للمشروع رغم صدور أوامر مباشرة لها بوضع خطط التنفيذ. رئيس هيئة الأركان، الجنرال إيال زمير، أعرب خلال اجتماع للمجلس الأمني المصغّر عن قلقه من أن المشروع سيستهلك موارد مالية وبشرية ضخمة، ما سيضعف قدرات الجيش في إدارة العمليات القتالية وإنقاذ الرهائن. وأضاف أن تركيز السكان في موقع واحد لم يكن جزءًا من الأهداف المعلنة للحرب، في إشارة واضحة إلى خشية الجيش من اتهامات محتملة بارتكاب جرائم ضد المدنيين.

في المقابل، رد نتنياهو بحدة على تلك التحفظات، معتبرًا أن التقديرات العسكرية مبالغ فيها من حيث الوقت والكلفة، وطالب بخطة بديلة تكون “أسرع وأرخص” خلال أيام. وقدرت وزارة المالية أن المشروع سيكلف خزينة الدولة ما لا يقل عن 15 مليار شيكل سنويًا، أي قرابة 4 مليارات دولار، وهو ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا لميزانيات التعليم والرعاية الصحية داخل إسرائيل.

تشبيه نازي يثير العاصفة

المعارضة السياسية وجدت في المشروع مادة دسمة للهجوم. فقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، من أن نقل السكان الفلسطينيين قسرًا إلى هذا المخيم قد يرقى إلى مستوى “التطهير العرقي”، وشبهه بـ”معسكرات الاعتقال” في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. هذه التصريحات فجرت عاصفة من الغضب داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث دعا وزير التراث عاميخاي إلياهو إلى معاقبة أولمرت، ملمحًا إلى تاريخه القضائي وسجنه في قضايا فساد.

رئيس وزراء إسرائيل السابق

رفض فلسطيني وتحذيرات دولية

في الجانب الفلسطيني، رفضت حركة حماس المشروع ووصفته بأنه محاولة “متعمدة لتعطيل” مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية. وقال القيادي حسام بدران إن هذه المدينة “تُشبه الجيتو المعزول”، مؤكدًا أن الفلسطينيين لن يقبلوا بها. كما أبدت جهات دولية، بينها المملكة المتحدة، قلقًا بالغًا من خطة قد تؤدي إلى تغيير ديمغرافي قسري وتشعل المنطقة من جديد.

تصعيد ميداني وأزمة إنسانية خانقة

بالتوازي مع الجدل السياسي، استمر التصعيد الميداني، حيث أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 30 شخصًا خلال يوم واحد، بينهم أطفال ونساء. مستشفيات غزة – الشفاء وناصر والعودة – استقبلت عشرات الجثامين والمصابين في ظل تحذيرات أممية من توقف كامل في الخدمات الإنسانية بسبب نفاد الوقود.

وكالات الأمم المتحدة أطلقت إنذارًا جماعيًا من أن المستشفيات على وشك أن تُظلم، وأن سيارات الإسعاف توقفت بالفعل عن العمل، فيما تتعرض شبكات المياه والصرف الصحي للانهيار. وأضاف البيان أن المخابز والمطابخ الجماعية باتت عاجزة عن الاستمرار في العمل، ما يهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين.

سيناريو كارثي على وقع انقسام داخلي

الانقسام العلني بين الحكومة والجيش الإسرائيلي حول المشروع، إلى جانب التحذيرات الدولية والفلسطينية، يشير إلى أزمة داخلية عميقة تتجاوز حدود غزة. ففي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة فرض وقائع جديدة على الأرض تحت عنوان “الحلول الإنسانية”، يرى كثيرون أن هذه الخطط قد تؤدي إلى تعميق عزلة إسرائيل الدولية وفتحها على موجة غير مسبوقة من الإدانة الأخلاقية والقانونية، وربما العقوبات.

اقرا أيضاً:

كييف ترحب بصفقة الأسلحة الأمريكية وموسكو تقلل من تهديدات ترامب: واقع جديد يتشكل في حرب أوكرانيا

الأء ياسين

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى