تقارير التسلح

تسريبات بريطانية: صادرات عسكرية لإسرائيل رغم الحظر الرسمي

فضيحة تصدير الأسلحة: هل ضللت لندن البرلمان بشأن دعمها لإسرائيل؟

في تحدٍ لقرار رسمي كان يُفترض أن يعكس التزامًا بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، كشفت صحيفة The Guardian البريطانية في 7 مايو 2025 عن استمرار تصدير آلاف المعدات العسكرية من شركات بريطانية إلى إسرائيل، رغم قرار الحكومة بتعليق عدد من تراخيص تصدير الأسلحة في سبتمبر الماضي. ويأتي هذا الكشف في وقت بالغ الحساسية، إذ يتصاعد القلق الدولي من الدور البريطاني غير المباشر في الصراع الدائر في غزة، خصوصًا مع اتهامات لإسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.

التحقيق الذي أجرته منظمات دولية، من بينها حركة الشباب الفلسطيني وProgressive International، استند إلى بيانات موثقة من سلطة الضرائب الإسرائيلية، وتوصّل إلى أن ما لا يقل عن 14 شحنة عسكرية تم إرسالها من بريطانيا إلى إسرائيل خلال الأشهر السبعة الماضية، بعضها احتوى على ذخائر ومعدات مصنّفة ضمن الأسلحة المتقدمة. ورغم أن الحكومة البريطانية برّرت استمرار بعض التراخيص بدواعٍ تتعلق بالأمن القومي وسلسلة إمداد طائرات F-35، إلا أن المعلومات الجديدة تثير تساؤلات جدية حول شفافية القرار السياسي، ومدى التزام لندن بتعهداتها أمام البرلمان والرأي العام.

تساؤلات حول التزام لندن بحظر تصدير مكونات الـ F-35

أثار التقرير أيضًا شكوكا حول التزام بريطانيا بعدم بيع مكونات طائرات F-35 مباشرة لإسرائيل. ووفقًا للتفاهم السابق، يُفترض أن تُباع تلك المكونات فقط إلى شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية للحفاظ على سلسلة الإمداد العالمية للطائرة. غير أن نمط الصادرات الجوية لم يتغير منذ سبتمبر، ما يطرح تساؤلات حول مدى شفافية التصدير ووجهته الفعلية.

مسؤولون بريطانيون يواجهون مطالب بالتحقيق والاستقالة

طالب جون ماكدونيل، وزير الخزانة في حكومة الظل السابقة، بفتح تحقيق شامل، معتبرًا أن وزير الخارجية ديفيد لامي قد يواجه الاستقالة إذا ثبت أنه ضلل البرلمان عندما ادعى في سبتمبر أن ما تصدره بريطانيا لإسرائيل “ذو طبيعة دفاعية”. كما اتهم النائب لامي بالتستر على الحقائق وإخفاء معلومات مهمة تتعلق بتراخيص التصدير، وهو ما قد يمثل انتهاكًا صارخًا لمدونة السلوك الوزارية.

تفاصيل الشحنات: ذخائر وآليات مصفحة

أورد التقرير تفاصيل دقيقة حول الشحنات التي نُقلت إلى إسرائيل، إذ تضمنت 14 عملية شحن عسكرية منذ أكتوبر 2023، منها 13 جوًا إلى مطار بن غوريون وشحنة بحرية واحدة إلى ميناء حيفا، احتوت بمفردها على 160,000 قطعة. كما سجلت صادرات لـ8,630 وحدة مصنفة تحت بند “قنابل، قذائف، ألغام، صواريخ وأسلحة مشابهة”. علاوة على ذلك، تم شحن 146 قطعة مصنفة ضمن “دبابات ومركبات قتال مصفحة” بعد قرار التعليق.

ردود غاضبة في البرلمان

اعتبرت النائبة زهراء سلطانة، عن دائرة كوفنتري ساوث، أن التقرير يثبت “كذب الحكومة” بشأن طبيعة صادراتها لإسرائيل، مضيفة: “ما تم تصديره ليس مجرد خوذ ونظارات، بل أسلحة وذخائر تُستخدم في حملة إبادة بغزة”. وقد سحبت قيادة حزب العمال منها التزكية بعد تصويتها ضد قرارات متعلقة بالضمان الاجتماعي، لكنها تواصل انتقاد الحكومة من موقعها المستقل.

الخارجية البريطانية تدافع عن سياساتها

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن الحكومة قد علقت “جميع التراخيص التي يُحتمل أن تُستخدم في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”، مضيفة أن “معظم التراخيص المتبقية لا تخص الجيش الإسرائيلي بل تستخدم لأغراض مدنية أو لإعادة التصدير”. كما شددت على أن “الاستثناء الوحيد هو مكونات الـ F-35 لأهميتها الاستراتيجية لحلف الناتو”، واصفة ما يُثار عن تراخيص أخرى بأنه “مضلل”.

مخاوف دولية من التواطؤ في الانتهاكات

يشير هذا التقرير إلى انقسام حاد داخل المؤسسات البريطانية بشأن تصدير الأسلحة، ويعزز من الضغوط المحلية والدولية على حكومة حزب العمال لتوضيح سياساتها تجاه النزاع في غزة. في ظل مؤشرات متزايدة على اتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، يبدو أن الحرج السياسي في لندن سيتفاقم ما لم تُتخذ إجراءات رقابية أكثر شفافية وحزمًا.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى