الاقتصاد

“حرب الرسوم الجمركية لترامب: كيف تحولت صناعة السيارات الأمريكية من المستفيد الموعود إلى الخاسر الأكبر”

عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه الشهير بـ”يوم التحرير” في أبريل عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع السيارات المستوردة، رافق الوعود بإحياء الصناعة الوطنية وخلق “عصر ذهبي” جديد لصناعة السيارات الأمريكية. كان الهدف المعلن هو حماية المصنعين المحليين من المنافسة الأجنبية، وإعادة المصانع والوظائف إلى الداخل الأمريكي. لكن بعد أشهر قليلة من بدء تنفيذ السياسات، تكشّف واقع مختلف تمامًا: صناعة السيارات، وخاصة الشركات الأمريكية الكبرى، باتت من أكبر ضحايا هذه الحرب التجارية، مع خسائر بالمليارات وضغوط متزايدة على الأسعار وسلاسل التوريد.

خسائر بالمليارات وضغوط غير مسبوقة

تُظهر الأرقام أن ما يُعرف بـ”الثلاثة الكبار” — فورد، جنرال موتورز، وستيلانتيس — يتوقعون خسائر إجمالية تصل إلى 7 مليارات دولار خلال عام 2025 نتيجة الرسوم الجمركية الجديدة، بواقع 3.5 مليار دولار لجنرال موتورز، و2 مليار لفورد، و1.5 مليار لستيلانتيس. هذه الخسائر لا تعود فقط إلى الرسوم على السيارات المستوردة، بل تشمل أيضًا الارتفاع الكبير في تكاليف المكونات المستوردة، خاصة مع تطبيق رسوم بنسبة 50% على الألومنيوم والصلب والنحاس، التي وإن كانت الصناعة معفاة منها مباشرة، فإن الموردين مرروا نحو 80% من زيادات التكلفة إلى شركات السيارات.

اقرا أيضاً:

بعد ضغط ترامب وارتفاع التهديدات… أوروبا تسرّع إنتاج الصواريخ لمواجهة المستقبل

مفارقة الرسوم على الشركاء الأقرب

رغم توقيع واشنطن اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، اليابان، وكوريا الجنوبية لتخفيض رسوم السيارات إلى 15%، بقيت المكسيك وكندا — الشريكان الأساسيان في اتفاق USMCA — خارج هذه التفاهمات حتى الآن. ونتيجة لذلك، تُفرض على السيارات القادمة من البلدين رسوم تصل إلى 27.5%، رغم أن مصانعها تعتمد بشكل كبير على المكونات الأمريكية. هذا الوضع جعل سيارات شركاء قريبين جغرافيًا وأكثر اندماجًا صناعيًا تتحمل رسومًا أعلى من نظيراتها الأوروبية والآسيوية، وهو ما أثار انتقادات حادة من المديرين التنفيذيين، مثل أنطونيو فيلوسا، الرئيس التنفيذي لستيلانتيس، الذي شدد على ضرورة الاعتراف بنسبة المحتوى الأمريكي المرتفعة في العديد من هذه المركبات.

“ترامب وإيلون ماسك أمام نموذج سيارة.. بين السياسات الحمائية وطموحات.        الصناعة المستقبلية”.

تعقيدات سلاسل التوريد العالمية

تعكس هذه الأزمة مدى تشابك وتعقيد سلاسل التوريد في صناعة السيارات. فعلى الرغم من تصنيع نحو 80% من سيارات فورد المباعة في السوق الأمريكية محليًا، إلا أن حوالي 60% من مكوناتها تأتي من الخارج. وبالتالي، فإن أي زيادة في الرسوم على المكونات المستوردة تؤثر بشكل مباشر على التكلفة النهائية. الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة للشركات التي تعتمد على مصانع في كندا والمكسيك لتجميع سيارات تحتوي على أجزاء أوروبية أو آسيوية، إذ تواجه هذه الشركات رسومًا مركبة تزيد من سعر المنتج النهائي وتضغط على هوامش الأرباح.

التأثير على الشركات العالمية العاملة في السوق الأمريكي

الشركات العالمية ليست بمنأى عن التداعيات، لكنها تتأثر بشكل متفاوت. على سبيل المثال، تستفيد جنرال موتورز من اتفاق واشنطن مع كوريا الجنوبية، حيث تأتي نحو 17% من مبيعاتها في السوق الأمريكي من مصانعها هناك. في المقابل، تتضرر شركات مثل بي إم دبليو التي تنتج نصف سياراتها المباعة في أمريكا في مصنعها بجنوب كارولينا، لكنها لا تلتزم بقواعد منشأ USMCA، ما يفرض عليها رسومًا مرتفعة عند استيراد المكونات من كندا أو المكسيك. ومع ذلك، ترى بعض الشركات مثل بي إم دبليو أن الحديث عن التأثيرات مبالغ فيه، معتبرة أن النماذج المرنة والمندمجة محليًا قادرة على التكيف على المدى البعيد.

“مئات السيارات في انتظار مصيرها وسط عاصفة الرسوم الجمركية الأمريكية”.

خيارات محدودة أمام الشركات الأمريكية

أمام هذه الضغوط، تجد شركات السيارات الأمريكية نفسها أمام خيارات صعبة: إما رفع الأسعار على المستهلكين أو خفض التكاليف من خلال تقليص الوظائف والإنتاج. حتى الآن، كانت هناك محاولات لتأجيل رفع الأسعار المباشر عبر “زيادات خفية” مثل رفع تكاليف التمويل أو تقليل الخصومات، لكن محللين يتوقعون أن تشهد الأشهر القادمة زيادات في الأسعار تتراوح بين 4% و8% مع طرح موديلات 2026 في سبتمبر.

أصوات من قلب الأزمة

قصة مايك موشينش، الرئيس التنفيذي لشركة “ديترويت أكسل”، تقدم مثالًا حيًا على حجم الأزمة. فبعد ارتفاع الرسوم على مكونات السيارات المستوردة من الصين عبر المكسيك إلى 72.5%، قفزت مدفوعات شركته الشهرية من 700 ألف دولار إلى 7 ملايين دولار. لجأ إلى القضاء لمقاضاة الإدارة الأمريكية، ودرس إغلاق مستودع رئيسي وتسريح أكثر من 100 موظف. ورغم أن بعض منافسيه خرجوا من السوق مما سمح له بزيادة المبيعات بنسبة 20%، إلا أن أرباحه ما زالت أقل بنسبة 80% عن السابق. وكما يقول: “العالم تغير… وفي النهاية المستهلك الأمريكي هو من يدفع الثمن”.

“ترامب في مواجهة العاصفة الاقتصادية التي صنعتها سياساته الجمركية”.

مستقبل غير واضح المعالم

على المدى البعيد، تحاول بعض الشركات تقليل اعتمادها على الواردات عبر إعادة توطين الإنتاج، كما فعلت جنرال موتورز بإعلانها استثمار 4 مليارات دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية في مصانعها الأمريكية. لكن حتى مع هذه الجهود، يبقى التأثير الفوري للرسوم كبيرًا، خاصة في ظل تباطؤ النمو في أسواق السيارات العالمية وتراجع الحصة في السوق الصينية وتكاليف التحول نحو السيارات الكهربائية.

اقرا ايضا:

كوريا الجنوبية تدخل سباق “الصواريخ الذكية”: LIG Nex1 تطور منظومات قاتلة مدعومة بالذكاء الاصطناعي

الأء ياسين

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى