من رحم الأزمة إلى ساحة النضال: مقاومة عمال التوصيل لليمين في البرازيل
عمال التوصيل ضد اليمين: ثورة من فوق الدراجة

في صباح يوم هادئ من أبريل 2025، تحوّلت شوارع «ساو باولو» إلى ما يشبه مدينة فارغة من الحركة. اختفت الدراجات النارية التي كانت تملأ الطرق، بعدما أضرب آلاف من سائقي التوصيل في أكثر من 60 مدينة برازيلية، فقد أصبح هذا الإضراب محطة جديدة في مسار بدأ قبل سنوات، حين قرر “الجيش الصامت” من عمال تطبيقات التوصيل أن يخرج عن صمته.
عمال توصيل تائهون بيت العمل الحر والاستغلال
منذ عام 2016، تضاعف عدد عمال التوصيل في البرازيل بشكل جنوني – 980% زيادة خلال خمس سنوات فقط، ولكن رغم هذا التوسع، ظلوا بلا حماية، ضائعين في منطقة رمادية بين العمل الحر والاستغلال.
المفارقة؟ أن هؤلاء العمال، رغم أوضاعهم الهشة، شكلوا قاعدة دعم قوية «لليمين المتطرف» وزعيمه بولسونارو، بدلًا من الانضمام إلى النقابات أو أحزاب اليسار.
كيف حدث هذا التناقض؟
الجواب يكمن في التحول الثقافي الذي فرضته «النيوليبرالية»، فهؤلاء لم يعودوا يرون أنفسهم كضحايا، بل كمقاتلين فرديين يسعون للنجاح بأي وسيلة؟ وبالمنطق نفسه، أصبحت الدولة والنقابات والعقود قوانين تعرقل “الحرية الشخصية”، وتحولت الأدوات اليومية كالدراجة أو الهاتف إلى رموز للكرامة والاستقلال.
خطاب بولسنارو
من هنا، كان من الطبيعي أن يجد خطاب بولسونارو صدى واسعًا: حديث عن الحرية، ورفض للتنظيم، واحتفاء بريادة الأعمال، حتى لو كانت على حساب أبسط الحقوق، خلال الجائحة، حين فرضت الحكومات اليسارية قيودًا صحية، رأى كثير من العمال في هذه الإجراءات تهديدًا مباشرًا لمصدر رزقهم، ومالوا أكثر نحو اليمين، لكن هذا المزاج بدأ يتغير.
وفي الانتخابات البلدية الأخيرة في ساو باولو، خاض المرشح اليساري غييرمي بولوس – الذي تعهد بتوفير أماكن راحة لعمال التوصيل – معركة قوية ضد “مدرب ريادة الأعمال” بابلو مارسال، لكنه خسر في الجولة النهائية أمام مرشح مدعوم من بولسونارو.
المبادرات البديلة تبحث عن بيئة عمل آمنة
استطلاع في 2024 كشف أن أكثر من ثلثي العاملين لحسابهم الخاص يفضلون عقود عمل رسمية، وترتفع النسبة بين من يتقاضون الحد الأدنى حيث أن المبادرات البديلة بدأت تظهر تعاونيات: مثل “ليغا كواب”، ومنصات توصيل أطلقتها نساء متحولات بحثًا عن بيئة عمل آمنة، وأدوات رقمية تربط العمال بالمستهلكين الراغبين في دعم قضيتهم.
“حياة بعد العمل”: عندما يتحول التيك توك إلى جبهة نضال
حتى على تيك توك، ظهرت حملات مثل “حياة بعد العمل”، تحوّلت من فيديو بسيط إلى حركة وطنية جمعت ملايين التوقيعات للمطالبة بتقليص أسبوع العمل إلى 36ساعة. هذه المبادرة جمعت أكثر من 3 ملايين توقيع، وأثبتت أن الحديث عن قضايا العمل لا يزال ممكنًا على وسائل التواصل الاجتماعي الصوت اليساري بدأ يجد طريقه مجددًا، ولكن بلغة جديدة، وأدوات معاصرة.
فهل ستكفي هذه المحاولات لقلب الموازين؟ لا أحد يملك الإجابة بعد. لكن ما يحدث في البرازيل يفتح بابًا للتأمل: في عالم عربي يواجه التحديات نفسها من هشاشة العمل وصعود الفردانية، قد نحتاج إلى أكثر من مجرد نقد سياسي… نحتاج إلى خيال جديد يعيد تعريف التضامن والنضال.