تقارير التسلح

الهند تدرس تعديل عقيدتها النووية مع تصاعد التوترات مع باكستان

الهند تعزز قدرتها على الردع النووي في مواجهة باكستان وسط تصاعد التوترات في جنوب آسيا

تدرس الهند بجدية مراجعة استراتيجيتها النووية طويلة الأمد، في ظل تنامي المخاوف من تصاعد التهديدات القادمة من باكستان. ووسط هذا التقييم الاستراتيجي، كشفت وكالة بلومبيرغ، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن الحكومة الهندية تنظر في إمكانية تعديل مبدأ “عدم الاستخدام الأول” من ترسانتها النووية، لصالح تبني موقف أكثر مرونة يسمح بتوجيه ضربات استباقية إذا دعت الحاجة.

ويأتي هذا التحول المحتمل في العقيدة النووية في إطار استعدادات تقودها نيودلهي لمواجهة سيناريوهات تصعيد عسكري في المستقبل القريب، خاصة في ظل مؤشرات استخباراتية تشير إلى تزايد فرص نشوب نزاع مباشر مع إسلام آباد. وتشير التحليلات إلى أن هذا التوجه قد يعيد رسم معادلة الردع النووي في جنوب آسيا، ويؤجج سباق التسلح في واحدة من أكثر المناطق توترًا في العالم.

تصعيد نووي بلا إعلان: باكستان تختبر الخطوط الحمراء
في صباح 10 مايو، أطلقت باكستان تهديدًا مبطنًا بإعلان اجتماع هيئة القيادة الوطنية النووية، ما أعطى إيحاءً بقرب تفعيل الخيارات القصوى. ورغم النفي الرسمي لاحقًا، حقق التلويح غرضه السياسي، إذ تحركت الولايات المتحدة ودول أخرى بسرعة لاحتواء الموقف، وانتهى الأمر بوقف إطلاق نار مؤقت لا تزال هشاشته واضحة.

جنود هنود يقومون بدورية في مركبة مدرعة بالقرب من خط السيطرة بين باكستان والهند في 20 مايو. المصور: موكيش      جوبتا/وكالة فرانس برس/صور جيتي

 تدخل أمريكي… يهدئ الموقف ويثير غضب الهند
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نسب لنفسه الفضل في “منع كارثة نووية”، أثارت استياء الهند التي رأت في التدخل دعمًا ضمنيًا لباكستان. وجّهت نيودلهي رسالة حاسمة مفادها أن أي هجوم إرهابي مستقبلي سيُقابل برد شامل قد يشمل أهدافًا داخل العمق الباكستاني.

صورة جوية لهيروشيما، اليابان، بعد وقت قصير من إسقاط      القنبلة الذرية “الصبي الصغير” عام 1945. المصور: أرشيف     التاريخ العالمي/صور جيتي/مجموعة الصور العالمية

 بين الردع والتصعيد: هشاشة التوازن النووي
الحادثة كشفت عن واقع خطير: أن الفضاء بين الحرب التقليدية والنووية يتقلص بسرعة. فكما استغلت روسيا سلاحها النووي كورقة ضغط في أوكرانيا، يبدو أن باكستان تستخدم ردعها النووي كدرع خلفي للهجمات غير المباشرة، ما يشجع على مواجهات محسوبة ولكن خطيرة.

الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي يتحدث خلال خطاب متلفز للأمة حول أزمة الصواريخ الكوبية في 24 أكتوبر 1962، في    واشنطن العاصمة. المصور: جيتي إيماجز

نظرية “الاستقرار/اللااستقرار”: عندما يُشجّع الردع النووي على الحروب الصغيرة
تعود جذور هذا المنطق إلى نظرية قدمها الباحث الأمريكي غلين سنايدر عام 1965، تقول إن الردع النووي يمنع الحروب الكبرى، لكنه يزيد من فرص المواجهات المحدودة أو الحروب بالوكالة. وفي السياق الهندي-الباكستاني، هذا ما يبدو أنه يحدث بالفعل، حيث تشن باكستان هجمات غير مباشرة، وتراهن على أن الرد الهندي لن يصل إلى الحرب الشاملة.

حواجز قديمة مضادة للإنزال تواجه الصين في جزيرة ليتل      كينمن التايوانية. تصوير: كارل كورت/جيتي إيماجز

 استدعاء التاريخ: من أزمة تايوان إلى الردع الأمريكي الكلاسيكي
يشبه الوضع الحالي عدة محطات من الحرب الباردة، حين استخدمت واشنطن تهديداتها النووية لردع الصين أو الاتحاد السوفيتي، لكنها لم تكن دائمًا فعالة. تجربة “الردع الشامل” التي روّج لها وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس في الخمسينات، أثبتت أنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر وغير قابلة للتطبيق في جميع الحالات.

المصدر: بيانات اتحاد العلماء الأمريكيين التي جمعتها بلومبرج

 تايوان، أوكرانيا، وكشمير: ثلاث جبهات لامتحان الردع النووي
من تايوان إلى أوكرانيا، ومن كشمير إلى غزة، تُختبر نظرية الردع النووي يومًا بعد يوم. وفي ظل تسلح الصين السريع، وتوسيع الهند لقدراتها، وديمومة التهديد الكوري الشمالي، تزداد تعقيدات المعادلة النووية في آسيا، ويبدو أن من يملك السلاح الذري لا يضمن تلقائيًا الأمن أو الردع.

المصدر: مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار ومركز   الدراسات الاستراتيجية والدولية

 نيودلهي تتبنى “الطبيعة الجديدة” للرد: لا خطوط حمراء بعد الآن
رد الهند على الهجوم الإرهابي في كشمير — الذي وصفته بأعنف عملية منذ عشرين عامًا — تجاوز المعتاد، حيث استهدفت ضرباتها قواعد جوية باكستانية عميقًا داخل الأراضي، وهو تطور غير مسبوق منذ حرب 1971. أعلن مودي أن هذا “الوضع الطبيعي الجديد” يعني أن أي هجوم يُعتبر حربًا مفتوحة.

رسم توضيحي: مات ويليامز لبلومبرج

باكستان تحت الضغط: هل ترد فعليًا؟
تُواجه باكستان الآن معضلة استراتيجية: استمرار استخدام الجماعات المسلحة كورقة ضغط مع الاعتماد على الردع النووي قد يؤدي إلى فقدان مصداقية هذا الردع، خاصة إذا قررت الهند تجاهل التهديدات. وإذا تحققت توقعات نيودلهي بأن باكستان لن تُطلق فعليًا سلاحًا نوويًا، فإن اللعبة كلها ستتغير.

سباق تسلح نووي جديد في آسيا؟
وفق بيانات اتحاد العلماء الأمريكيين، يملك العالم نحو 12,300 رأس نووي، 90% منها في روسيا وأمريكا. الهند وباكستان لا تزالان في أسفل القائمة نسبيًا، لكن السباق مستمر. الصين تُضاعف ترسانتها، وتايوان تعيد التفكير في الطاقة النووية، وكوريا الشمالية تستعرض قوتها. وفي ظل غياب نظام ردع موثوق، تتقدم المنطقة بسرعة نحو مستقبلٍ أكثر اضطرابًا وربما… أكثر إشعاعًا.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى