الوكالات

الوحدة ضرورة ملحة.. لكن الاتحاد الأوروبي يفضل الصراعات الداخلية على مواجهة روسيا

بينما تقترب الحرب الهجينة التي تشنها روسيا من العواصم الأوروبية، يبدو أن قادة الاتحاد الأوروبي أقل قدرة من أي وقت مضى على الاتفاق بشأن كيفية الرد. كان هذا هو الانطباع المقلق الذي خلّفه قمة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، والتي عُقدت الأسبوع الماضي بهدف بناء توافق حول أولويات إعادة التسلح الأوروبي. لكن ما ظهر كان عرضاً محرجاً من الصراعات السياسية والمنافسات على النفوذ التي تُضعف أي محاولة لبناء دفاع أوروبي موحد.

فقد تجادل القادة ليس فقط حول من يتولى قيادة جهود تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، بل أيضاً بشأن تمويل دعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، ومستقبل طلب انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي.

ورغم قلقهم من تكرار انتهاك الطائرات المسيّرة الروسية للمجال الجوي الأوروبي وتحليقها فوق المطارات والقواعد العسكرية، إلى جانب الاختراقات الجوية لطائرات روسية، بدا القادة مرتبكين بشأن الرد المناسب:

هل يجب إسقاطها؟ مرافقتها خارج الأجواء؟ تجاهلها؟ أم الرد عبر تسخير الأصول الروسية المجمدة لتقديم قرض ضخم لأوكرانيا، وفرض عقوبات أكثر صرامة على صادرات النفط والغاز الروسية، وتزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي؟

لم يتوصل الاجتماع إلى أي توافق، لكن القرارات الحاسمة يجب أن تُتخذ قريباً.

وفي ظل هذا المشهد، يُرجَّح أن فلاديمير بوتين يضحك ساخرًا من “الفوضى الأوروبية” التي تجلّت في كوبنهاغن، وربما يخلص إلى أن أوروبا ضعيفة ومنقسمة، وهو استنتاج خطير على الجميع.

خلال القمة، استخدم قادة القوى الكبرى في الاتحاد اللقاء غير الرسمي لتوجيه انتقادات حادة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بشأن اقتراحها إنشاء “جدار أوروبي من الطائرات المسيّرة” لحماية الحدود الشرقية، بعد سلسلة من الانتهاكات الروسية للمجال الجوي وحوادث تتعلق بـسفن الظل الروسية التي تنتهك العقوبات باستخدام ناقلات نفط قديمة.

فون دير لاين وزعت وثيقة على القادة تقترح فيها أربعة مشاريع دفاعية أوروبية كبرى:

جدار أوروبي من الطائرات المسيّرة،

شبكة مراقبة للحدود الشرقية،

درع دفاع جوي،

درع دفاع فضائي.

كما اقترحت إنشاء آلية متابعة وتقييم لمدى التزام الدول بتحقيق أهداف الجاهزية العسكرية بحلول عام 2030.

لكن المقترح واجه انتقادات لاذعة:

ياربيع الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف فكرة “جدار المسيّرات” بأنها بدائية وتحتاج إلى نهج أكثر تعقيداً،

المستشار الألماني فريدريش ميرتس اتهم بروكسل بـ«الرقابة المفرطة» وانتقد المشروع بشدة،

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اشتكت من أن المفوضية تركّز فقط على حماية الشرق، متجاهلة الجبهة الجنوبية، وألمحت إلى أن هذا من اختصاص حلف الناتو، وليس الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، لم يكن الخلاف حول المسيّرات بقدر ما كان حول النفوذ والسلطة. فقد خشي القادة من توسع صلاحيات المفوضية الأوروبية على حساب الحكومات الوطنية.

يبدو أن الدول الكبرى تقبل بمرونة أن تقدم بروكسل قروضاً بقيمة 150 مليار يورو لمشروعات التسلح المشتركة، وتخفف قواعد الإنفاق، لكنها تريد أن تحتفظ بالتحكم السياسي الكامل في القرارات الدفاعية، مع توزيع الأدوار فيما بينها لتلبية متطلبات الناتو.

هذه الخلافات ليست جديدة، بل تعود إلى بدايات انخراط الاتحاد الأوروبي في قضايا الدفاع قبل 25 عاماً، لكنها ازدادت حدة اليوم لأن الدفاع أصبح الحدّ الجديد للتكامل الأوروبي.

ولا يمكن لوم بروكسل على محاولتها تنسيق الإنفاق الدفاعي الأوروبي وتجنب التكرار في القدرات العسكرية، بما يعزز القاعدة الصناعية الدفاعية المشتركة ويقلل الاعتماد على الولايات المتحدة. لكن تحقيق ذلك يتطلب توحيد المعايير العسكرية وشراء المعدات بشكل مشترك.

ومع ذلك، يظل القرار السياسي والعسكري الحقيقي بيد القوى الكبرى، خاصة مع وجود دول محايدة (النمسا، أيرلندا، قبرص، مالطا) وأخرى تميل نحو روسيا (المجر، سلوفاكيا، وربما قريباً التشيك). كما أن بريطانيا، رغم خروجها من الاتحاد، ما زالت لاعباً أساسياً في الدفاع الأوروبي.

وقد يشكل ما يُعرف بـ**”تحالف الراغبين”**

الذي تعمل تحت مظلته فرنسا وبريطانيا لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، نواة لجهود إعادة التسلح الأوروبي، لكن التنافس الصناعي بين هذه الدول قد يعرقل هذا التوجه.

فعلى سبيل المثال، تتنازع فرنسا وألمانيا منذ سنوات حول مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS)، الذي انطلق عام 2017 بمشاركة إسبانيا، وكان يفترض أن يكون بديلًا أوروبيًا للمقاتلة الأمريكية F-35، لكن الخلافات بين شركتي داسو وأيرباص بشأن القيادة وحصة الإنتاج كادت تؤدي إلى انهياره. في المقابل، يمضي قدمًا مشروع منافس تقوده بريطانيا وإيطاليا واليابان لتطوير مقاتلة الجيل السادس العالمية.

وفي جوهر كل هذه الخلافات، يكمن غياب الثقة المتبادلة بين الأوروبيين، تفاقمه الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا في ظل إدارة ترامب. فعندما لا يثق الحلفاء ببعضهم البعض، تكون النتيجة حتمية: العودة إلى الدفاعات الوطنية والمصالح الخاصة.

اقراء أيضاً:

شرم الشيخ تقترب من لحظة الحسم: اتصالات مكثفة لإتمام اتفاق غزة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى