عرب وعالم

اجتماعات الفصائل في القاهرة.. جهود مصرية لتوحيد الصف الفلسطيني وتنفيذ اتفاق غزة

تتحول القاهرة مجددًا إلى محور رئيسي للحراك السياسي والدبلوماسي في الملف الفلسطيني، إذ تستضيف العاصمة المصرية اجتماعات مكثفة بين الفصائل الفلسطينية في محاولة للوصول إلى توافق وطني شامل يضمن استكمال تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتأتي هذه اللقاءات ضمن الجهود التي تبذلها مصر لتثبيت الهدوء وتعزيز الاستقرار في القطاع، في ظل خطة السلام الأمريكية الجديدة التي طرحها الرئيس دونالد ترامب، والتي تتضمن ترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية لإدارة غزة. وتحرص القاهرة، من خلال وساطتها المستمرة، على جمع مختلف القوى الفلسطينية تحت مظلة واحدة، بما يضمن إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، إلى جانب العمل على إطلاق عملية إعادة إعمار شاملة تعيد الحياة تدريجيًا إلى القطاع الذي عانى من الحرب والحصار، في مسعى نحو سلام دائم ومستقر في المنطقة.

 

تحركات مصرية حثيثة لتوحيد الموقف الفلسطيني

 

تتواصل اللقاءات في القاهرة بين المسؤولين المصريين ووفود الفصائل الفلسطينية في إطار الجهود الرامية لتوحيد الصف الفلسطيني وإنجاح المرحلة الثانية من اتفاق غزة. وأفادت قناة القاهرة الإخبارية بأن رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد أجرى سلسلة لقاءات مع قادة الفصائل، من بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة طلال ناجي، وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، حيث تمت مناقشة آليات تنفيذ وقف إطلاق النار وآفاق المصالحة الداخلية. كما التقى رشاد مصطفى البرغوثي وفهد سليمان وحسين الشيخ، بحضور اللواء ماجد فرج، لتنسيق المواقف وضمان التزام جميع الأطراف ببنود الاتفاق، بما يعزز فرص نجاح الجهود المصرية في إنهاء الخلافات وتحقيق وحدة القرار الفلسطيني.

 

خطة ترامب.. ترتيبات أمنية وإدارة مدنية لغزة

 

تأتي هذه الاجتماعات في سياق المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام، التي تتضمن نزع سلاح حركة حماس وتشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية لإدارة غزة تحت إشراف هيئة دولية تُعرف بـ”مجلس السلام”. وتشمل الخطة ترتيبات أمنية لمشاركة قوات دولية في مراقبة وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار. وتسعى القاهرة بالتعاون مع واشنطن والأطراف الإقليمية لتثبيت الهدوء وإرساء أسس حل دائم. وفي ظل تصاعد الضغوط الإنسانية داخل القطاع، تركز المحادثات على ضمان استمرار الخدمات العامة، وتوفير بيئة مهيأة لإعادة الإعمار في إطار سياسي توافقي بين الفصائل. كما تؤكد مصر على أن الحل يجب أن يكون فلسطينيًّا خالصًا، مع الحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية ومؤسساتها الوطنية.

 

الفصائل الفلسطينية تُشيد بالدور المصري

 

أجمعت الفصائل الفلسطينية على الإشادة بالدور المصري المركزي في وقف الحرب ومنع تهجير الفلسطينيين من غزة. وأكد مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية، أن مصر “أحبطت أخطر مخطط للتطهير العرقي”، مشيدًا بقدرتها على جمع الأطراف حول رؤية مشتركة. بينما وصف فهد سليمان اجتماعات القاهرة بأنها “تطور إيجابي بكل المقاييس”، مشيرًا إلى أن مصر تفتح الطريق أمام إعادة إعمار القطاع وإقرار هدنة طويلة الأمد. أما سمير المشهراوي من تيار الإصلاح الديمقراطي، فاعتبر الحوار القاهري “فرصة لبناء سلام مستدام”، مؤكدًا أن مصر ظلت السند التاريخي للقضية الفلسطينية على مدار عقود، وأن الدور المصري يكتسب اليوم أهمية مضاعفة في ظل التحولات الإقليمية الراهنة.

 

تفاهمات ميدانية نحو تنفيذ اتفاق غزة

 

أعلنت الفصائل عن توصلها إلى تفاهمات مبدئية بشأن تثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ بنود اتفاق شرم الشيخ. وأكد عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران أن الحركة ملتزمة باتفاق غزة وتسعى لإنجاحه بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الاجتماعات في القاهرة تمثل “نقطة انطلاق نحو وحدة وطنية حقيقية”. كما شدد زياد النخالة على التزام الجهاد الإسلامي بالهدنة ما دامت إسرائيل ملتزمة بها، موضحًا أن القاهرة تعمل على ضمان وقف دائم للحرب، بينما اعتبر طلال ناجي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “نجح في وقف العدوان على غزة وأعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي”، مؤكدًا أن ما تقوم به مصر هو استمرار لدورها التاريخي في دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة.

 

مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة

 

في ضوء الجهود الجارية، تستعد مصر لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة في النصف الثاني من نوفمبر المقبل، بمشاركة دولية واسعة لدعم الاستقرار الإنساني والسياسي في القطاع. وتأتي هذه الخطوة استكمالًا للمرحلة الأولى من خطة ترامب التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر الجاري، لكنها لا تزال تواجه اختراقات إسرائيلية متكررة تهدد هشاشتها. ووفق البيت الأبيض، فإن الخطة تشمل وقفًا فوريًا لإطلاق النار يتبعه برنامج شامل لإعادة الإعمار، وذلك في ضوء ما أفرزته قمة شرم الشيخ للسلام التي جمعت الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة، بهدف تحقيق سلام دائم في غزة والمنطقة بأسرها. وتعمل القاهرة بالتوازي على ضمان توفير التمويل اللازم والمناخ السياسي الآمن لتنفيذ مشروعات الإعمار الكبرى.

 

نحو سلام فلسطيني شامل

 

في ظل ما تشهده القاهرة من حراك فلسطيني مكثف، تبدو الجهود المصرية اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى لتثبيت وقف إطلاق النار وتحقيق توافق وطني حقيقي يضع حدًا للانقسام المستمر منذ سنوات. ومع تصاعد الجهود الدبلوماسية بين القاهرة وواشنطن والفصائل الفلسطينية، تتجه الأنظار نحو إمكانية بلورة رؤية مشتركة تضمن وحدة المؤسسات الفلسطينية وإعادة الإعمار على أسس وطنية جامعة. ويؤكد المراقبون أن نجاح هذه الاجتماعات سيمثل نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية، إذ إن تحقيق المصالحة الوطنية سيعيد رسم المشهد السياسي في غزة والضفة على حد سواء، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة قوامها الحوار والسلام والاستقرار، برعاية مصرية راسخة ودعم دولي متنامٍ.

اقرأ أيضاً

ترامب يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا في الإغلاق الحكومي الأمريكي

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى