الضغوط الأمريكية لنزع سلاح حزب الله: هل تُجبر لبنان على حرب داخلية؟
ضغط أمريكي متصاعد يضع لبنان بين شبح الحرب والانقسام الداخلي

تواجه الحكومة اللبنانية لحظة فارقة مع تصاعد الضغط الأمريكي لنزع سلاح حزب الله بشكل فوري. وبينما كانت الحكومة تعمل على مسار تدريجي لتعزيز سلطة الدولة ومركزية السلاح، فإن وتيرة المطالب الأمريكية تُجبرها على اتخاذ قرارات حادة قد تجر البلاد إلى أحد خيارين خطيرين: مواجهة عسكرية مع إسرائيل أو صدام داخلي مع الحزب الذي لا يزال يحتفظ بثقله الشعبي والعسكري في الجنوب والبقاع.
إعلان حكومي مقلق ورد غاضب من حزب الله
في تطور دراماتيكي، أعلنت الحكومة اللبنانية أنها بصدد إعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة بحلول نهاية العام. الرد جاء سريعًا من حزب الله وحليفه حركة أمل، اللذين أعلنا تجاهل القرار واعتبراه خضوعًا “لإملاءات أمريكية”. ومع أن هذه الخطوة كانت جزءًا من أجندة الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون – الذي وصل للمنصب بدعم أمريكي عقب الحرب الأخيرة مع إسرائيل – فإن توقيتها وسياقها يهددان بإعادة إشعال الساحة اللبنانية.
تحول في موازين القوة بعد حرب مُدمّرة
سيطرة حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية، والتي دامت لعقود، تلقت ضربة موجعة في الحرب الأخيرة مع إسرائيل. مقتل قادته البارزين وخسائره البشرية والميدانية، إضافة إلى انهيار الدعم السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، أدت إلى تراجع هيمنته. ومع ذلك، تحركت الحكومة الجديدة بحذر، دون استفزاز مباشر أو إهانات رمزية، لتفادي تفكيك التوازنات الهشة التي تمنع انفجارًا داخليًا.
شروط النشأة لا تزال قائمة: المقاومة أم التهميش؟
من الواضح أن الظروف التي نشأ فيها حزب الله في الثمانينات – الاحتلال الإسرائيلي، وتهميش الشيعة، وغياب الدولة – لا تزال قائمة. ومع أن لبنان يحاول تعزيز سلطة الدولة وبناء مؤسسة عسكرية جامعة، فإن هذا المشروع مهدد إذا ما شعر جمهور الحزب بالخيانة أو الاستهداف الطائفي. فكل خطوة لنزع سلاح المقاومة بدون توفير بدائل أمنية واجتماعية ملموسة، هي قفزة نحو المجهول.
الولايات المتحدة تضغط… ولكن لأي غاية؟
الرسالة الأمريكية واضحة: نزع السلاح الآن، وليس غدًا. لكن المسؤولين اللبنانيين يرون أن واشنطن لا تكترث ببناء دولة قوية، بقدر ما تهتم بتحقيق نزع السلاح كهدف معزول عن الواقع. هذا المنطق يهدد بإعادة إنتاج الكارثة. كما قال الباحث جوزيف ظاهر، فإن هذه الطريقة ستؤدي إلى تعزيز شرعية حزب الله داخل قاعدته، بدلًا من دمجه في مشروع الدولة.
هشاشة الردع اللبناني: إسرائيل تهاجم، والجيش لا يرد
في ظل الهجمات الجوية الإسرائيلية اليومية على الأراضي اللبنانية – في انتهاك مباشر لوقف إطلاق النار المعلن في نوفمبر – يفقد خطاب الدولة سيطرته على المشهد. مقتل طفل لبناني بغارة إسرائيلية بعد إعلان خطة نزع السلاح، يفضح عجز الدولة ويدمر ثقة الناس بقدرتها على حمايتهم. أما الجيش اللبناني، الذي يعاني من ضعف في العتاد والتمويل، فلا يُنتظر منه رد عملي، في ظل تجاهل المجتمع الدولي لطلباته البسيطة، مثل إقامة أبراج مراقبة على الحدود.
المجتمع الدولي متحد ولكن عاجز
رغم أن الولايات المتحدة والسعودية والاتحاد الأوروبي متفقون على ضرورة نزع سلاح حزب الله، فإنهم لا يقدمون للبنان ما يحتاجه للقيام بهذه المهمة. وحتى الآن، لم تظهر أي نية حقيقية لتحويل الجيش اللبناني إلى قوة ردع قادرة على ضبط السلاح وحماية السيادة. السؤال المحوري يبقى: كيف يمكن لحكومة عاجزة عن حماية طفل أن تنتزع سلاح تنظيم عسكري كحزب الله؟
الخلاصة: الطريق إلى تفكيك السلاح يمر عبر بناء الثقة لا الفرض
إن التعجل في فرض نزع السلاح بالقوة، دون توفير الضمانات الاجتماعية والسياسية والأمنية، لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة اللبنانية. الدولة لا يمكن أن تبني سيادتها من خلال التهديدات الخارجية، بل عبر إعادة صياغة العقد الاجتماعي، وضمان شعور جميع المكونات بالانتماء والحماية. وإلا، فإن الضغط الأمريكي قد يشعل شرارة حرب أهلية جديدة تُعيد لبنان إلى دوامة الخراب.