حفله شي المعاديه الامريكا

من كان يظن أن ساحة تيانانمن في بكين ستتحول إلى مسرح يضم هذا العدد من قادة العالم، في وقت يُفترض أن يكون مسرح النقاش العالمي هو واشنطن أو نيويورك؟ لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ استغل قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، متبوعة بعرض عسكري ضخم لإحياء الذكرى الثمانين لهزيمة اليابان، ليقدّم بلاده كقطب بديل للاستقرار والازدهار، فيما يصوّر الولايات المتحدة كمصدر للفوضى وعدم اليقين.
قائمة المدعوين مذهلة بقدر ما هي مثيرة للجدل. فقد حضر فلاديمير بوتين من روسيا، وماسينو بزهشيان من إيران، وألكسندر لوكاشينكو من بيلاروسيا، إضافة إلى كيم جونغ أون الذي جاء بقطاره المصفح. الأكثر دلالة هو وجود زعماء مثل رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي ونغوين فو ترونغ من فيتنام، وكلهم في السنوات الأخيرة حافظوا على روابط وثيقة مع الغرب. أما المفاجأة الأكبر فكانت ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، الذي أدار ظهره جزئيًا لواشنطن بعد أن فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية قاسية وأظهرت انحيازًا لباكستان إثر اشتباك دموي في مايو.
من الناحية الاقتصادية، ما يقدمه شي يبدو مقنعًا أكثر مما يظن البعض. الصين اليوم هي الشريك التجاري الأول لغالبية ضيوف بكين، ولأكثر من مئة دولة أخرى. وفي وقت تخوض واشنطن حروبًا تجارية مفتوحة مع حلفائها وخصومها على حد سواء، تبدو النزعة الحمائية الصينية وكأنها خطيئة يمكن التعايش معها مقارنةً بالفوضى التي تصنعها أمريكا. الأمر نفسه ينطبق على العقوبات: أدوات واشنطن المالية، التي كانت تُستخدم في الماضي ضد دول مارقة، باتت تُفرض باندفاع غير منضبط، ما يدفع دولًا كثيرة – بل وحتى أوروبا – إلى البحث عن بدائل للدولار.
لكن على المستوى الأمني، يظل “المحور” أقل تماسكًا. فالهند لن تحضر العرض العسكري، بل تعارض بشدة التوسع العسكري الصيني بعد المناوشات الحدودية في الهيمالايا. أما الحلفاء الجدد في آسيا الوسطى، فينظرون بريبة إلى صواريخ جيش التحرير الشعبي التي ستجوب الشوارع. ومع ذلك، فإن التعاون العسكري بين موسكو وبكين وبيونغ يانغ آخذ في التعمق، حيث يُعتقد أن روسيا تعرض تقنيات عسكرية حساسة مقابل دعم الصين في حرب أوكرانيا.
الأضعف في مشروع شي هو الجانب المؤسسي. فحديثه عن “حوكمة عالمية عادلة” ليس سوى دعوة إلى نظام عالمي تتقاسم فيه القوى الكبرى مناطق نفوذها، فيما تُهمّش الدول الأصغر. قلة في آسيا، أو خارجها، ترغب في عالم تُديره الصين وحدها.
ومع ذلك، فإن مجرد قدرة بكين على جمع هذا الطيف المتناقض من القادة تحت مظلتها، هو إشارة على ما خسرته أمريكا. لم تعد الصين مجرد قوة إقليمية طموحة، بل صارت قادرة على لعب دور المنسق العالمي لخصوم واشنطن. لم يصل شي بعد إلى قيادة نظام عالمي بديل، لكنه ينجح في إثبات أن سياسات ترامب تسرّع تراجع النفوذ الأمريكي.



