المدونة

الصين ترسم خريطة الحرب الأهلية في ميانمار لحماية أنابيب الطاقة

دبلوماسية صينية براغماتية تحافظ على مصالح بكين وسط النزاعات الميانمارية

 

منذ انقلاب 2021، غرقت ميانمار في فوضى سياسية وعسكرية، مع انقسام السلطة بين المجلس العسكري ومجموعات إثنية مسلحة وحركات مقاومة شعبية. وبينما تراجع الحضور الغربي سياسيًا وإنسانيًا، تقدّمت الصين لتلعب الدور الأبرز، مدفوعةً بمصالح استراتيجية واضحة، على رأسها مشروع أنبوب النفط والغاز الممتد من خليج البنغال إلى إقليم يونّان. هذا الخط، رغم مروره بمناطق نزاع محتدمة، بقي خارج المعركة – في دلالة على عمق النفوذ الصيني.

مرتزقة صينيون… لحماية المصالح لا الحلفاء

في فبراير الماضي، هبطت طائرة تقل 25 مرتزقًا صينيًا في جزيرة رامري، في خضم معركة شرسة. لم يكن هدفهم دعم طرف ضد آخر، بل تأمين مصالح بكين الحيوية على الساحل، حيث تنتهي خطوط الطاقة وتبدأ مشاريع بنى تحتية ضخمة. اللافت أن كلاً من المجلس العسكري وجيش أراكان رحّب بوجودهم، في اعتراف ضمني بأن المصالح الصينية “خط أحمر” لا يُمس.

أنبوب وسط اللهب: مشروع خارج حسابات الحرب

يمتد خط الأنابيب لمسافة 2,500 كيلومتر، عابرًا مناطق النزاع الأهلي. ورغم المعارك الطاحنة، لم يتعرض لأي ضرر يُذكر، بل حظي بحماية مباشرة من مختلف الأطراف. في مشهد يعكس دقة التنسيق الصيني، تحوّل هذا الأنبوب إلى رمز لبراغماتية بكين التي تجعل من الطاقة أولوية فوق كل شيء.

راخين: توازن حساس في معادلة صعبة

 

في ولاية راخين، حيث الصراع محتدم بين جيش أراكان والمجلس العسكري الذي بات يعتمد على مقاتلي الروهينغا، ظلّت الاستثمارات الصينية بمنأى عن الصراع. أبقت بكين علاقات مفتوحة مع الطرفين، وتلقت تطمينات خاصة من المتمردين بأن مصالحها لن تتعرض لأي تهديد، مهما اشتد القتال.

منطقة الجفاف: ثورة الأغلبية البورمية تُراعي الصين

في قلب البلاد، قادت الأغلبية البورمية انتفاضة مسلحة ضد الانقلاب. ورغم موقفها الرافض للنظام والداعِم للديمقراطية، لم تقترب من خطوط الأنابيب. بتوجيه من حكومة الوحدة الوطنية، تجنّبت المقاومة استهداف المصالح الصينية، في محاولة لتجنّب قطع الدعم العسكري أو المالي المحتمل من بكين.

زلزال مارس: البشر ينهارون… والمصالح تبقى

في 28 مارس 2025، ضرب زلزال قوي منطقة ساغاينغ مخلّفًا آلاف الضحايا. ورغم تعذّر وصول المساعدات الدولية للمناطق الخاضعة للمقاومة، يُتوقّع أن يكون المهندسون الصينيون أول من يصل إلى المواقع المتضررة، لا فرق الإغاثة. فاستمرارية تدفق الطاقة تُعَدّ أولوية قصوى تفوق حتى المآسي الإنسانية.

تحالف الأخوة يحقق انتصارًا… برضا صيني مؤقت

في ولاية شان، شنّ “تحالف الأخوة الثلاثي” هجومًا كبيرًا في أكتوبر 2023، أسفر عن سقوط مدينة لاوكاي ثم لاشيو، وسط انهيار واضح للجيش. الغريب أن هذا التقدم جاء بتشجيع صيني غير مباشر، على خلفية غضب بكين من فشل الجيش في قمع شبكات الاحتيال الإلكتروني الموجهة ضد المواطنين الصينيين.

بكين تغيّر موقفها: لا سقوط كامل للنظام

ما بدأ بتأييد ضمني للمتمردين، تحوّل لاحقًا إلى قلق صيني من انهيار شامل. فرضت بكين عقوبات اقتصادية على المتمردين، واعتقلت أحد قادتهم، ثم سهّلت عودة الجيش إلى مدينة لاشيو، في مشهد يظهر تحكّم الصين الكامل في مسار النزاع، حتى في تفاصيل الانسحاب وتبادل السيطرة.

المقاومة تلجأ إلى بكين: مضطرة لا بطلة

 

مع خيبة الأمل في الموقف الغربي، بدأت فصائل المقاومة تسعى لتفاهمات مع الصين. حكومة الوحدة الوطنية نفسها أصدرت وثيقة من عشر نقاط عام 2024 تعِد فيها باحترام الاستثمارات الصينية، بل واستخدمت مصطلح “الأخ الأكبر” (باوك-فاو) في وصف العلاقة ببكين، في تحول رمزي يُظهر حجم النفوذ الصيني.

رامري إلى كونمينغ: أنبوب الطاقة في خدمة الهيمنة

رغم أن خط الأنابيب لا يلبّي كامل احتياجات الصين، إلا أنه يشكّل مسارًا استراتيجيًا لتجاوز مضيق ملقا، خاصة في حال نشوب توتر مع الولايات المتحدة. وبناءً عليه، لا تسمح بكين لأي جهة بتهديده، حتى لو تطلّب الأمر السيطرة على مناطق بأكملها أو إدارة حرب كاملة خلف الكواليس.

بكين تمسك بخيوط اللعبة: اللاعب الأبرز في ميانمار

بعد أربع سنوات من الانقلاب، لم يعد مستقبل ميانمار يُقرَّر داخليًا، بل تُرسم ملامحه في أروقة الحزب الشيوعي الصيني. لا تدعم بكين طرفًا محددًا، بل توازن بين جميع الفاعلين، وتفرض شروطها دون أن تنخرط في الصراع بشكل مباشر. هدفها الأهم: الحفاظ على منطقة عازلة آمنة ومستقرة على حدودها، تتحكم فيمواردها، وتُبقي نار الفوضى تحت السيطرة.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى