عربي وعالمي

إسرائيل بين شراسة الحرب وتآكل القيادة: هل تُولد المعارضة من رحم الانقسام؟

على مدار سنوات، نجح بنيامين نتنياهو في البقاء على رأس السلطة عبر استراتيجية محكمة: استثمار ضعف المعارضة، وتفتيت صفوف خصومه، وتعزيز الانقسامات الأيديولوجية داخل المجتمع الإسرائيلي. لكن رغم صموده في وجه ملفات فساد، ومحاكمات، وانتخابات متكررة، وحتى أسوأ كارثة أمنية عرفتها إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، بدأت بعض ملامح التغيير تلوح في الأفق، وإن بخجل.

في وقت تخوض فيه إسرائيل أوسع هجماتها العسكرية على قطاع غزة، وسط سقوط آلاف الضحايا وتدمير شامل للبنية التحتية، يبدو نتنياهو أكثر قوة، لا أكثر هشاشة. لا يزال متربعًا على رأس ائتلاف حاكم واسع، تنصّل من المسؤولية عن الفشل الاستخباراتي والعسكري، وألقى باللوم على قادة الجيش والمخابرات، بينما عمل على تقوية نفوذه بتوسيع سلطاته وتحييد خصومه داخل الحكومة.

معارضة بلا بوصلة

تعاني المعارضة الإسرائيلية من تناقضات جوهرية:

اليمين القومي الذي يرفض شخص نتنياهو لا مشروعه السياسي.

تيارات الوسط واليسار التي تطمح إلى دولة علمانية ليبرالية.

وممثلو المواطنين العرب الذين يطالبون بالمساواة التامة وإنهاء التمييز البنيوي.

هذا التنافر الأيديولوجي يعرقل أي جبهة موحدة قادرة على تقديم بديل سياسي حقيقي. وحتى عندما نجح خصوم نتنياهو في تشكيل “حكومة التغيير” عام 2021، فإن تجاهلهم للقضايا المصيرية مثل الصراع الفلسطيني والدين في الحياة العامة أدّى إلى انهيارها السريع.

الشعبوية الأمنية والخطاب المتطرف

في أعقاب 7 أكتوبر، تحوّلت إسرائيل إلى مجتمع تعبوي يقوده خطاب شعبوي. سياسات الحرب لاقت رواجًا واسعًا بين أغلبية يهودية تتقبل – بل وتدعو – إلى سياسات تطهير عرقي أو تهجير جماعي في غزة. الأصوات الداعية لوقف إطلاق النار، لا سيما من داخل المجتمع العربي، وُوجهت بقمع غير مسبوق، فيما تم تهميش قضية الأسرى الإسرائيليين لصالح استعراض القوة.

أما المعارضة الرسمية، فباتت مهمشة أمام تصاعد حركات اجتماعية بديلة، مثل عائلات الأسرى، الذين باتوا أكثر حضورًا من أي حزب سياسي.

بارقة أمل: أزمة التجنيد وصعود وجوه جديدة

رغم هذا المشهد القاتم، بدأ خصوم نتنياهو يتلمسون طريقهم عبر نافذتين أساسيتين:

أزمة التجنيد: تصاعد الغضب الشعبي حول إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية بينما تخوض البلاد حربًا مفتوحة. هذا التوتر قد يشكل شرارة تفكيك الائتلاف، خاصة أن المعسكر الديني الصهيوني، وهو عماد القوة الميدانية في الجيش، يرفض هذا التمييز.

قيادات بديلة:

نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق، يعيد تقديم نفسه كخيار يميني مسؤول، مع التأكيد على عدم التعاون مع الأحزاب العربية.

يائير جولان، الجنرال السابق وأحد رموز معركة 7 أكتوبر، يبرز كزعيم جديد لليسار الصهيوني، داعيًا إلى إنهاء الحرب، وحل الدولتين، وبناء تحالفات مع العرب داخل الكنيست.

لكن التحدي الأكبر أمام أي معارضة حقيقية لا يكمن فقط في استبدال الشخص، بل في صياغة رؤية وطنية جامعة لما بعد الحرب: إعادة إعمار البلدات المدمرة، إصلاح مؤسسات الدولة، استعادة الحقوق المدنية، وإعادة فتح الباب أمام عملية سلام واقعية.

مفارقة ترامب

في تطور مفاجئ، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط الأزمة، متجاهلًا نتنياهو، وساعيًا لترتيب “صفقة إقليمية” مع قوى مثل إيران واليمن وحماس. تجاهل واشنطن لنتنياهو، الذي طالما استثمر علاقته الخاصة بترامب كورقة دعم داخلية، يشكّل صفعة سياسية قد تغيّر قواعد اللعبة.

خلاصة المشهد

إسرائيل اليوم تقف عند مفترق طرق: بين استمرارية خطاب القوة والاستئصال، واحتمالية نادرة لولادة خطاب بديل يتبنى الواقعية السياسية والمسؤولية الوطنية. لا شيء مؤكد بعد، لكن لأول مرة منذ سنوات، هناك من يحاول كسر الحلقة المغلقة… حتى لو بدا الأفق حتى الآن ضبابيًا.

يارا حمادة

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى