هوليوود تفقد بريقها: كيف تحولت صناعة السينما إلى ماكينة نسخ جماعي؟
1. هل انتهى الإبداع في هوليوود؟ أفلام مكررة ونوستالجيا تهيمن على الشاشات

عشاق السينما يزداد شعورهم بالمللفي هوليوود، شاشات العرض تغصّ بعناوين مألوفة، وجوه قديمة، وزمن سينمائي لا يتوقف عن إعادة تشغيل نفسه. “Jurassic World: Rebirth”، “28 Years Later”، “I Know What You Did Last Summer” بنسخته الرابع.
هذه كلها ليست إلا انعكاسًا لأزمة أعمق: صناعة الأفلام الأمريكية في هوليوود غارقة في دوامة إعادة التدوير، وبدل أن تكون منبرًا للابتكار، باتت أشبه بمتحف للذكريات يُعاد طلاؤه كل موسم.
الكاريوكي السينمائي: مخرجون يعيدون عزف مقطوعات سابقة
غاريث إدواردز، مخرج النسخة الأحدث من سلسلة “جوراسيك”، لا يخفي هدفه: يريد أن يصنع فيلمًا “يبدو كما لو أن استوديوهات يونيفرسال وجدت بكرة فيلم مفقودة تعود للتسعينيات”. السينما بالنسبة لهوليوود اليوم لم تعد بحثًا عن جديد، بل محاولة لتقليد الماضي بدقة عاطفية تشبه الغناء على أنغام قديمة.
أفلام التسعينيات تعود… ولكن بدون خجل.
من إعادة إنتاج فيلم “I Know What You Did Last Summer” إلى نسخة حديثة من “The Naked Gun”. مع ليام نيسون، و”The Roses” التي تعيد إحياء فيلم “The War of the Roses”.
تبدو كل هذه العناوين وكأنها تجترّ الماضي دون أن تقدّم إضافة تُذكر. حتى “Freakier Friday”. يعيد الجمع بين جيمي لي كيرتس وليندسي لوهان، في محاولة لاستدعاء النوستالجيا بدلاً من بناء سرد جديد.
شاشة تزدحم بالنسخ ومحتوى يفتقر إلى الجرأة.
سلاسل مثل “Final Destination”، “Superman”، “Fantastic Four”، وحتى إعادة إصدار أفلام قديمة مثل “The Goonies” و”Spinal Tap” باتت جزءًا من الخطة التسويقية السنوية.
كذلك أصبحت الصناعة كلها تحولت إلى ماكينة استثمارية تبحث عن أقل قدر من المخاطرة. تكرار العناوين ليس صدفة. بل إستراتيجية واضحة تعكس أزمة ثقة في قدرة السينما على إنتاج جديد يجذب الجماهير.
لماذا يحنّ الجمهور؟ أزمة واقع أم ذكريات أكثر أمانًا؟
في ظل أزمات اقتصادية، مناخية، واجتماعية، يبحث الناس عن مهرب. إعادة الأفلام القديمة تُقدَّم للجمهور بوصفها “راحة نفسية”.
ويقول الصحفي ستيفن جايدوس إن الأمريكيين “يريدون العودة إلى الماضي. حتى لو كان ذلك يعني فقط الأسبوع الماضي”. وربما هذا الحنين غير الواعي يُغذي موجة إعادة الإنتاج أكثر مما تفعله حسابات الأرباح وحدها.
هوليوود… شركات تعبئة وليست مصانع أحلام.
بالإضافة إلى ذلك، هناك وصف دقيق أطلقه جايدوس منذ عقدين: “هوليوود أصبحت أقرب إلى صناعة السلع المغلّفة”. اليوم، هذا التوصيف يبدو أكثر دقة من أي وقت مضى.
وأصبح عدد كبير من العناوين القادمة لا يُنتَج من أجل السينما فقط. بل ضمن منظومة تسويقية متكاملة: ألعاب فيديو، أكواب شاي بشعارات الأفلام، وجبات سريعة، وهدايا بلاستيكية في وجبات الأطفال. السينما لم تعد هدفًا، بل وسيلة للبيع.
هل الأفلام الأصلية انتهت؟ الأرقام ليست مطمئنة.
أفلام جديدة مثل “Elio” من بيكسار، و”Black Bag” لستيفن سودربيرغ فشلت تجاريًا رغم أسماء صُنّاعها. حتى “Mickey 17” للمخرج بونغ جون-هو، لم يحقق العائد المتوقع رغم موضوعه الفلسفي.
السيناريو بات مألوفًا: الإنتاج الضخم لا يضمن العائد، لكن الأفكار الأصلية لا تجد دعمًا كافيًا للبروز.
أمل ضئيل… لكنه لا يُبشِّر بتغيير النهج.
صحيح أن أفلامًا مثل “Sinners” و”F1″ أظهرت بوادر نجاح، لكنها أيضًا لم تكن “أصلية” بالكامل. الأول جمع طاقم عمل “بلاك بانثر”.
والثاني استند إلى شعبية سباقات الفورمولا، ومُوِّل بجزء كبير من شركات الرعاية الرياضية. ما يبدو جديدًا في الشكل، يبقى تقليديًا في المضمون والهدف.
هروب الإبداع إلى التلفاز والمنصات
الأعمال الأصلية والجريئة تجد ملاذًا في التلفزيون. من “Adolescence” إلى “Severance” و”Baby Reindeer”، جميعها تُركّز على قضايا اجتماعية معاصرة وتُقدَّم بأساليب سردية مبتكرة.
منصات البث توفر بيئة أكثر رحابة للتجريب دون خوف من شباك التذاكر. السينما، بالمقابل، تزداد تقوقعًا في “عالم ما قبل الهواتف الذكية”.
بين نوستالجيا مربحة وإبداع مهدد: أي مستقبل للسينما؟
ربما لا تكون إعادة إنتاج الأفلام مشكلة في ذاتها. فـ”العراب 2″ مثال على تكملة تتفوق على الأصل. لكن حين يصبح التكرار هو القاعدة، والإبداع استثناءً نادرًا. تصبح هوليوود في خطر حقيقي.
ليس فقط خطر الخسارة التجارية، بل خطر فقدان الهوية السينمائية كفنّ يبحث في الإنسان. لا مجرد مغامرات الديناصورات أو قصص الأبطال الخارقين.