الوكالات

لماذا يربح الشعبويون اليمينيون رغم فشلهم الواضح؟

في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاجتماعية، يبرز سؤال محوري: كيف يستمر اليمين الشعبوي في تحقيق المكاسب رغم فشله الواضح في الحكم؟ في تقرير لافت نشرته صحيفة الجارديان، يسلط الكاتب جورج مونبيو الضوء على ظاهرة مقلقة تتجاوز مجرد الأداء السياسي أو الخطاب الإعلامي. فالشعبويون، وعلى رأسهم دونالد ترامب، لا يربحون رغم أخطائهم المتكررة، بل بسبب قدرتهم على استغلال مشاعر الإقصاء والغضب الناتجة عن التفاوت الاقتصادي المتفاقم.

يُظهر التقرير أن جذور صعود التيارات اليمينية ليست في الكاريزما أو الشعارات فقط، بل في الشعور العميق بالظلم الذي يعيشه ملايين المستبعدين من النظام الاقتصادي والسياسي القائم. في بيئة يُحتكر فيها الازدهار من قبل نخبة محدودة، تصبح الرغبة في “هدم كل شيء” خيارًا سياسيًا جذابًا للكثيرين.

هذا التقرير يحذر من تجاهل هذه الديناميكيات النفسية والاجتماعية، ويؤكد أن الرد الحقيقي على الشعبوية لا يكمن في الخطابات المعتدلة أو التنازلات السياسية، بل في مواجهة جذر المشكلة: اللامساواة.

عندما يولد التهميش رغبة في الانتقام

هناك نزعة إنسانية عميقة: إذا شعرت بأنك مُستبعد، فأنت تميل لتدمير ما لا تستطيع امتلاكه. هذا الشعور، حين يترافق مع انعدام العدالة الاقتصادية، يولّد بيئة خصبة لظهور قادة شعبويين، حتى وإن كانوا غير مؤهلين.

اللامساواة هي المحرك الخفي للشعبوية

منذ أواخر السبعينات، اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء بشكل غير مسبوق. في عام واحد فقط، زادت ثروات المليارديرات بـ2 تريليون دولار، بينما بقي الفقراء في مكانهم. التفاوت هذا لا يمر دون أثر: إنه يولّد الغضب، والتطرف، والشعبوية.

حين تصبح الديمقراطية امتيازًا للأثرياء

الصحة، التعليم، الفنون، حتى المنتزهات الوطنية – كلها صارت أحلامًا بعيدة المنال لمن لا يملكون المال. والأسوأ؟ حتى صوت الناس في الديمقراطية لم يعد يُحسب إلا إذا كنت تملك ملايين للتبرع بها للأحزاب.

ترامب لا يحارب النظام.. بل يستغله

يدّعي ترامب أنه يمثل من “يودّ حرق النظام”، لكنه في الحقيقة يغذّي هذا النظام ويستفيد منه. كلما اتسعت الفجوة، زاد غضب الناس، وزاد تعلقهم به كمخلّص مزيف. وبدلًا من معالجة أصل المشكلة، يقدّم كباش فداء: المهاجرين، الأقليات، العلماء.

من يساعد اليمين المتطرف؟ الوسط!

أحزاب الوسط، مثل الديمقراطيين أو حزب العمال البريطاني، فشلت حتى في الاعتراف بوجود المشكلة. عجزهم عن المواجهة، وخوفهم من النخب المالية والإعلام، جعلهم شركاء غير مباشرين في صعود اليمين المتطرف.

التقشف ليس حيادًا.. إنه انحياز للتطرف

دراسة حديثة تؤكد أن السياسات التقشفية، لا التعليم، هي التي تدفع الناس نحو اليمين المتطرف في المناطق الفقيرة. أي أن تجاهل العدالة الاقتصادية هو الطريق المضمون لصعود أمثال ترامب وفاراج.

الضرائب لا تعالج الفجوة.. بل تخدعنا!

رغم الضرائب التصاعدية، لا تتغير الفجوة كثيرًا. لماذا؟ لأن الفقراء يدفعون أكثر نسبيًا في الضرائب غير المباشرة. النظام الضريبي الحالي يحافظ على التفاوت بدلًا من تقليصه.

الحل الحقيقي؟ جرأة لم يملكها أحد بعد

لن يتوقف صعود اليمين الشعبوي إلا بحل واحد: تقليص الفجوة الاقتصادية جذريًا. فرض ضرائب أعلى على الأغنياء، وتوجيه العوائد لتحسين حياة الفقراء. غير ذلك، هو مجرد دوران في حلقة مفرغة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى