
بعد قفزة بنسبة 44% في سعر الذهب خلال عام واحد فقط، يشعر المستثمرون المؤيدون للمعدن الأصفر بنشوة الانتصار. لكن هذا الصعود اللافت يطرح سؤالًا محوريًا: هل لا يزال الذهب صفقة استثمارية أم أصبح مكلفًا أكثر مما ينبغي؟ ومع انضمام المزيد من المستثمرين إلى “الإجماع الذهبي”، تتضاءل فرص تحقيق أرباح إضافية، إذ كلما زاد عدد المشترين المحتملين الذين دخلوا السوق، قلّ تأثير أي مشتريات جديدة على السعر.
مخاوف من التضخم والديون… لكن إلى متى؟
يواصل المتحمسون للذهب التلويح برايات التحذير من خطر التضخم العالمي، وتضخم الدين العام، وتقلبات الجغرافيا السياسية. لكن المستثمرين الأكثر واقعية بدأوا في التساؤل عما إذا كان الوقت قد حان لإعادة التوازن إلى محافظهم، خشية من أن يصبح التعرض المفرط للذهب مخاطرة في حد ذاته.
التكلفة الحقيقية للإنتاج: الحد الأدنى للسعر؟
من الطرق الشائعة لتقدير القيمة العادلة للذهب النظر إلى “تكلفة الإنتاج الشاملة” (AISC) التي تتراوح بين 1400 و1500 دولار للأونصة لدى كبار المنتجين مثل Newmont وBarrick. ورغم أن هذه الأرقام قد تُمثل سقفًا أدنى نظريًا للسعر، فإنها لا تقدم الكثير لتقدير المساحة الصعودية المحتملة، خصوصًا في ظل غياب عائدات أو توزيعات أرباح من الذهب.
هذا هو السبب الذي جعل المستثمر الأسطوري وارن بافيت ينظر إلى الذهب بتشكيك، باعتباره أصلًا لا يُدرّ دخلًا. لكن بالمقابل، تُشير مشتريات البنوك المركزية حول العالم إلى أن الذهب لا يزال يُنظر إليه كعملة بديلة وقت الأزمات.
هل يستطيع العامل العادي شراء أونصة ذهب؟
واحدة من الطرق البسيطة لتقييم ما إذا أصبح الذهب باهظًا هي مقارنة سعره بمتوسط الأجور. في عام 1971، كان العامل الأمريكي من الطبقة المتوسطة يحتاج إلى العمل 12 ساعة لشراء أونصة ذهب. أما الآن، فهو بحاجة إلى 105 ساعات، وهو رقم يُعتبر مقلقًا من زاوية استدامة الطلب، خاصة في سوق المجوهرات.
وفي حين يرى البعض أن ارتفاع الأسعار قد يحد من الشراء، يرد مؤيدو الذهب بأن التضخم والنمو في الأجور قد يُواكب ارتفاع السعر، كما حدث في السبعينيات.
الذهب مقابل السلع الأخرى: مؤشر نسبي
عند مقارنة الذهب بالسلع الأخرى، يبدو أن المعدن النفيس قد تجاوز حدوده التقليدية:
تاريخيًا، كانت أونصة الذهب تشتري 17 إلى 18 برميل نفط، الآن تشتري 49 برميلًا.
أونصة الذهب كانت تساوي نحو 60 أونصة فضة، الآن تساوي 91 أونصة.
طن الذهب كان يعادل نحو 5700 طن من النحاس، الآن يعادل أكثر من 10,700 طن.
هذه المؤشرات قد توحي بأن الذهب أصبح مكلفًا نسبيًا مقارنة بسلع أخرى، ما قد يُحفّز بعض المستثمرين على التحول إلى الفضة أو النحاس أو حتى أسهم شركات التعدين.
الذهب أم شركات التعدين؟
في حين ارتفع الذهب بقوة، فإن أسهم شركات التعدين لم تواكب هذا الارتفاع بنفس الوتيرة، ما يعني أن هناك فرصة كامنة في الاستثمار في هذه الشركات إذا استمرت أسعار الذهب في الارتفاع. لكن هذه الشركات عرضة لمخاطر جغرافية وتنظيمية قد تُقيد أرباحها، كما حدث مع شركة Barrick في عدة دول.
ما الذي تعكسه علاقة الذهب بالنحاس؟
واحدة من المؤشرات الموثوقة لفهم حالة الأسواق هي مقارنة سعر الذهب بالنحاس. فكلما زادت قوة الذهب مقارنة بالنحاس، زاد القلق من التضخم وفقدان البنوك المركزية السيطرة. وكلما تفوق النحاس على الذهب، دلّ ذلك على تفاؤل الأسواق بشأن النمو الاقتصادي وأرباح الشركات.
الخلاصة: الذهب في منطقة رمادية… فهل تبيع، تشتري، أم تترقب؟
الذهب لا يزال يحتفظ بجاذبيته، لكنه أيضًا يقترب من مستويات قد تثير الحذر. مؤشرات المقارنة مع الأجور والسلع الأخرى تطرح إشارات تحذيرية بشأن قيمته الحالية. لذلك، يبقى السؤال مطروحًا أمام المستثمر: هل تبحث عن حماية من التضخم والأزمات، أم أنك تلاحق أرباحًا أصبحت ضئيلة؟