هل يعيد فريق DOGE تشكيل الحكومة الأمريكية بأسلوب وادي السيليكون الجريء؟
صراع بين البيروقراطية التقليدية وعقلية الشركات الناشئة يعيد مشهد "ماكنامارا" إلى الواجهة

وسط الجدل المحتدم في العاصمة الأمريكية، تبرز وزارة “كفاءة الحكومة” (DOGE) كمشروع غير تقليدي يسعى إلى إعادة تشكيل الإدارة الفيدرالية من الداخل.
هذه المحاولة تذكّر بالموجة التي أحدثها فريق “الأولاد الأذكياء” في عهد وزير الدفاع روبرت ماكنامارا في الستينيات، حين اقتحم محللون شباب البنتاغون حاملين أدوات التحليل والمنطق بدلًا من الرتب والنياشين.
واليوم، يظهر جيل جديد من الإصلاحيين، جاء هذه المرة من وادي السيليكون، يُطلق عليهم البعض تهكمًا “المسْكْرات” – في إشارة إلى صلتهم غير المباشرة بإيلون ماسك – يسعون إلى بث روح شركات التكنولوجيا داخل ماكينة الدولة الأمريكية المعقدة.
DOGE: انقلاب ناعم أم إصلاح هيكلي جذري؟
تعرضت DOGE منذ انطلاقتها لهجوم واسع: الإعلام يصورها كفرقة هدم، والموظفون الحكوميون يرونها تهديدًا مباشرًا لوظائفهم، والمشرّعون يتهمونها بتجاوز السلطات الدستورية. ومع ذلك، تمكنت الوزارة من إقناع الكونغرس الجمهوري بخفض الإنفاق الفيدرالي بـ9.4 مليار دولار.
على الرغم من التوتر بين إيلون ماسك والرئيس ترامب، فإن DOGE تواصل عملها بثبات، محافظة على أسلوبها المميز المستمد من ثقافة الشركات الناشئة: السرعة، التقنية، والفعالية.
من “ماكنامارا” إلى “ماسك”: تجدد ثورة الإدارة العلمية
تُعيد تجربة DOGE إلى الأذهان ما فعله “Whiz Kids” في الستينيات، عندما جلب ماكنامارا فريقًا من المحللين الشباب لتطبيق علم الإدارة على مؤسسة الدفاع الأمريكية. لم يكن هؤلاء عسكريين، بل متخصصين في الاقتصاد والإحصاء والرياضيات، قدموا من شركات كبرى مثل فورد ومراكز أبحاث مثل راند.
ومن أبرزهم “آلان إنثوفن”، الذي لم يتردد في مواجهة القادة العسكريين قائلاً: “لم آتِ للاستماع إليكم، بل لأبلغكم بما قررنا”. ورغم الانتقادات، تركوا بصمتهم بإرساء نظام PPBS لتخطيط الميزانيات، الذي لا يزال معمولًا به حتى اليوم.
وادي السيليكون يهاجم الصخرة البيروقراطية
فريق DOGE الجديد لا يرتدي البزات الرسمية، لكنه يمتلك طموحًا لا يقل جرأة. يجمع أفراده بين تخصصات متباينة: من المهندسين والمبرمجين إلى خبراء العملات الرقمية، مثل “لوك فاريتور”، الذي طوّر خوارزمية لفك مخطوطات رومانية عمرها ألفا عام.
رؤية هؤلاء بسيطة ولكن جذرية: الحكومة ليست إلا نظامًا يمكن إعادة برمجته. وهم يؤمنون بمبدأ “افشل بسرعة وتعلّم”، على النقيض من البيروقراطية التي تتحرك ببطء ثقيل.
سخرية القدر: DOGE تهدم ما بناه الجيل السابق
في مفارقة تاريخية، تستهدف DOGE اليوم المؤسسات والهياكل التي أنشأها “الأولاد الأذكياء” في الستينيات. فأنظمة التحليل واتخاذ القرار التي كانت آنذاك تجديدًا ثوريًا، أصبحت الآن موضع نقد بوصفها عقيمة أو متقادمة.
الفريق الرقمي الجديد يفرض أدواته الخاصة: الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والتحليل الفوري، في محاولة لتجاوز نظم تقليدية لم تعد تواكب العصر.
من رجال “Mad Men” إلى متمردي “Silicon Valley”
على المستوى الثقافي، يمثّل “Whiz Kids” جيل “Mad Men”: أناقة، حنكة تحليلية، وتعليم نخبوي. أما DOGE، فهو أقرب إلى أبطال “Silicon Valley”: شباب يرتدون القمصان الفضفاضة، يعملون من مرائب أو منازل أنيقة، ويحلمون بقلب النظام الحكومي رأسًا على عقب.
ورغم الفارق في الشكل، قد تكون النتيجة متشابهة: ولادة نموذج جديد للحكومة – أسرع، أذكى، وأقل تكلفة.
هل ينجح الجيل الجديد من مبرمجي الدولة؟
لا أحد يعرف ما إذا كانت DOGE ستقود البلاد نحو حكومة أكثر كفاءة، أو تنزلق في فوضى التجريب التقني. لكن الأكيد أن الصراع الجاري بين “الحرس القديم” و”جيل البيانات” سيصوغ ملامح الإدارة الأمريكية لعقود مقبلة.
وكما قال الفيلسوف البريطاني إدموند بيرك: “غطرسة الكهولة يجب أن تتعلم من الشباب”. ويبدو أن واشنطن اليوم تُخضع هذا المبدأ لاختبار حي ومباشر.