مقالات وآراء

صعود حزب ريفورم في بريطانيا: انزلاق نحو الشعبوية اليمينية وخطر التغيير الاجتماعي

تراجع الأحزاب التقليدية وارتفاع دعم حزب ريفورم وسط أزمات اقتصادية واجتماعية"

فوز حزب ريفورم يو كيه الساحق في الانتخابات المحلية الأخيرة لم يكن مجرد حادث سياسي عرضي، بل نتيجة لتراكمات سياسية واقتصادية امتدت لعقود. من حزب المحافظين الجريح، إلى صعود الشعبوية اليمينية عالميًا، وصولًا إلى أداء باهت لحكومة حزب العمال – كلها عوامل مهدت الطريق لتقدم نايجل فاراج المفاجئ. فخلال سبع سنوات فقط من تأسيسه، استولى الحزب على نحو 650 مقعدًا في المجالس المحلية، وسيطر على عشر سلطات محلية في إنجلترا. هذا النجاح يثير سؤالًا خطيرًا: كيف تمكّن حزب يضم مرشحين صرّح بعضهم بتعليقات عنصرية صريحة، بل وامتدح هتلر، من الاقتراب بهذا الشكل من مراكز السلطة؟

صمت النخبة وتواطؤ المنصات: لماذا لم يُردع ريفورم؟

لفهم هذا التحول المقلق، لا بد من تفكيك العوامل المساهمة فيه: من تقاعس وسائل الإعلام الكبرى، خصوصًا هيئة الإذاعة البريطانية التي استمرت في منح فاراج منصات متكررة، إلى غياب الرقابة الجدية على التضليل الإلكتروني من شركات التكنولوجيا العملاقة. لكن الأسوأ هو الشعور السائد بأن الأحزاب الكبرى، لا سيما حزب العمال، لم تعد تعبّر عن تطلعات الناخبين أو تكترث بمعاناتهم اليومية: الغلاء، ضعف الخدمات، وانعدام الأمل في تحسن الأوضاع. في ظل هذا الفراغ، يظهر ريفورم كبديل “صارم”، حتى وإن حمل في طياته مواقف عنصرية ومتطرفة.

تصريحات تصدم الضمير وتكافأ انتخابيًا

في الأيام التي سبقت الانتخابات، أطلق فاراج تصريحًا صادمًا حول الأشخاص ذوي الإعاقات التعليمية، مفاده أن تصنيفهم كضحايا يجعلهم يبقون على هذا الحال. التصريح جاء في سياق تعليقه على ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحصلون على إعانات حكومية. هذه النظرة القاسية ليست استثناء، بل جزء من نمط أكبر لدى الحزب. كل مرة يُكافأ فيها ريفورم انتخابيًا بعد إطلاق تصريحات إقصائية أو عنصرية، يشعر كثيرون أن أسس المجتمع المتعدد والتسامحي تتعرض للتآكل المنهجي. إنها لحظة يأس سياسي يشعر فيها البريطانيون بأن ما كانوا يظنونه راسخًا – من قيم المساواة والاحترام – صار موضع شك.

من خطاب الكراهية إلى سياسة فعلية: الخطر يتجسد

الكارثة لم تعد محصورة في الكلمات. فبعد فوز أندريا جنكنز بمنصب عمدة “لينكولنشاير الكبرى” عن ريفورم، بدأت تصدر منها دعوات مباشرة لحرمان طالبي اللجوء من الإقامة، والاكتفاء بوضعهم في الخيام. أما فاراج نفسه، فأعلن أن المجالس المحلية التابعة لحزبه سترفض استقبال طالبي اللجوء. هذه السياسات ليست فقط لا إنسانية، بل تنذر بتطبيع خطاب العداء تجاه الأقليات. ومع تحول الانتخابات المحلية إلى استفتاء ضمني على السياسات الوطنية، تصبح تلك الانتصارات علامة فارقة في التحول السياسي للبلاد نحو مزيد من الانغلاق والعنصرية.

لماذا لا يُقنع حزب العمال الناخبين؟ العجز عن صياغة أمل

في ظل هذا المشهد، يبدو أن حزب العمال يعاني من غياب الصوت والهوية. رغم تقديمه سياسات مهمة كرفع الحد الأدنى للأجور ومشروع قانون حقوق العمال، نادرًا ما يُسلّط عليها الضوء. فاختيار كير ستارمر الحديث عن أوكرانيا في منشأة تصنيع طائرات مسيّرة، بعد انتخابات محلية خسر فيها دعمًا كبيرًا، بدلًا من التطرق إلى تكلفة المعيشة أو قوائم انتظار المستشفيات، كشف عن انقطاعه عن أولويات الناس. في زمن يتزايد فيه الإحباط العام، تبدو محاولة الحزب مضاهاة ريفورم بمجاراة خطابه اليميني بمثابة انتحار سياسي وأخلاقي معًا.

بريطانيا التقدمية موجودة… هل يجرؤ ستارمر على مخاطبتها؟

الخبر الجيد هو أن الاستطلاعات تكشف بوضوح أن البريطانيين أكثر تقدمية مما توحي به نخبتهم السياسية. الغالبية تؤيد حقوق المهاجرين والمثليين، والإضرابات العمالية، والإجهاض. المطلوب من حزب العمال هو مخاطبة هذه القاعدة بقوة وثقة: عبر تعهدات ملموسة في الاستثمار في الخدمات العامة، دعم ذوي الإعاقة للاندماج بدلًا من تقليص إعاناتهم، إطلاق استراتيجية جادة لمكافحة فقر الأطفال، وتوفير سكن ميسّر للجميع. الخيار الآخر هو السير على خطى ريفورم، في سباق خطير نحو اليمين… وحينها، سنكون جميعًا ضحايا فاراج، لا خصومه.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى