الاقتصاد

«انتهت الأيام الذهبية».. شركات الاستشارات في السعودية تبطئ توسّعها وسط

بعد سنواتٍ من النموّ المفرط والازدهار السريع، بدأت شركات الاستشارات الأجنبية في السعودية في تقليص خطط التوسّع والتوظيف، وفقًا لمحللين ومسؤولين في التوظيف، مع قيام المملكة بمراجعة أولويات الإنفاق وإعادة توجيه مواردها في ضوء التحولات الاقتصادية وتراجع أسعار النفط.

منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016، اجتذبت المملكة موجةً من شركات الاستشارات العالمية للمشاركة في مشروعاتها العملاقة (Gigaprojects) مثل نيوم وذا لاين وغيرها من المناطق الاقتصادية المستقبلية. لكن مع انخفاض أسعار النفط وتزايد التساؤلات حول جدوى بعض المشاريع الضخمة، بدأ زخم الاستعانة بالمستشارين يتراجع خلال عام 2025.

وقال شريك سابق في إحدى شركات «الأربعة الكبار» (Big Four): “هناك حالة من الذعر داخل بعض المكاتب، خصوصًا KPMG، لأن ما بين 60% إلى 70% من إيراداتها الاستشارية كانت تأتي من القطاع العام.”

من ازدهار التوظيف إلى مرحلة الترشيد

يشير خبراء التوظيف إلى أن المرحلة الحالية تمثل نقطة تحوّل في سوق الاستشارات بالمملكة. يقول دان ألبيرتيلي، المحلل في شركة Source Global Research:

“شهدنا إعادة تموضع واضحة هذا العام، لكنها أصبحت أكثر حدة خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية. من المتوقع أن يتراجع نمو السوق من 25٪ في عام 2024 إلى نحو 11-12٪ هذا العام.”

ويرى جيسون غرندي، المدير الإقليمي لشركة Robert Walters، أن المرحلة التنفيذية للمشاريع الكبرى تقلل الحاجة إلى الاستشارات الاستراتيجية:

“شركات الاستشارات لا تخلط الأسمنت”، في إشارة إلى أن المشروعات التي انتقلت من التخطيط إلى التنفيذ تحتاج مقاولين أكثر من المخططين.

وأضاف بشار الكيلاني، الشريك الإداري في Boyden والمدير السابق لـAccenture في دبي، أن ما كان توظيفًا محمومًا أصبح الآن أكثر انتقائية، مشيرًا إلى “خفض يتراوح بين 15 و20٪ في مناصب الإدارة المتوسطة بفرق البنوك والتمويل، ونسب أعلى في فرق الإنشاءات”.

كما لفت إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح عاملًا إضافيًا في الضغط على سوق العمل، إذ “يقوم الآن بالكثير من المهام التحليلية بكفاءة تفوق البشر”.

تدقيق حكومي وقيود جديدة

تزامن هذا التباطؤ مع تشديد الجهات الحكومية في السعودية لمراجعة العقود الاستشارية، بحسب عمر زكريا، رئيس مكتب Robert Walters في المملكة:

“الحصول على موافقة لاستخدام شركات مثل Bain أو BCG أو Big Four أصبح يستغرق من 4 إلى 6 أشهر بسبب التدقيق المتزايد.”

كما أشار مستشار سابق في PwC إلى أن بعض الوزارات باتت تقيّد مشاركة الاستشاريين الأجانب في المشاريع الحساسة لأسباب أمنية، ما حصر بعض الأعمال على الكفاءات السعودية فقط.

وأضاف أن هناك تراجعًا في الرسوم الاستشارية قد يصل إلى 40٪ مقارنة بالعام الماضي، مع تصاعد شكوك الجهات الحكومية حول القيمة الحقيقية لخدمات الاستشارات بعد حالات من “المبالغة في الوعود والتقديرات المفرطة في التفاؤل”.

تحوّل من النمو السريع إلى السوق الواقعية

ورغم التباطؤ الحالي، يرى بعض الخبراء أن السوق السعودي يشهد عودة إلى الحجم الطبيعي بعد فترة “استثنائية” من الانتعاش.

“إنه ليس انهيارًا بل توقف مؤقت بعد ازدهار غير مسبوق منذ جائحة كوفيد-19”، يقول ألبيرتيلي.

فقد شهدت السنوات الخمس الماضية طفرة في التوظيف والاستعانة بالمستشارين الأجانب لتسريع تنفيذ رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إذ استعانت الجهات الحكومية بخبرات دولية لتصميم استراتيجيات سياحية واقتصادية وهيكلية جديدة، بل وتأسيس وزارات ومؤسسات من الصفر.

ومع الانتقال إلى مرحلة التنفيذ، يخضع الإنفاق لتدقيق أشدّ من قبل صندوق الاستثمارات العامة والجهات الوزارية، ما يجعل الشركات الاستشارية مطالبة بإثبات القيمة مقابل التكلفة أكثر من أي وقت مضى.

كما لخّص أحد التنفيذيين المشهد بقوله: “الأيام الذهبية انتهت، والمرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة وتنافسًا.

اقرأ أيضاً:

تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 في البنوك المصرية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى