حوادث وقضايا

بريطانيا أصبحت دولة حاره …لكنها لا تتصرف علي هذا الأساس

بريطانيا في مواجهة حرارة غير مسبوقة: ثقافة عالقة في الماضي وسياسات متجاهلة للواقع

 

 

 

عندما نزل ركاب القطار المتجه من لندن إلى “ويتبستابل” الساحلية، شعروا وكأنهم وصلوا إلى وجهة متوسطية، لا إلى بلدة إنجليزية هادئة. درجات الحرارة التي اقتربت من 30 درجة مئوية جعلت إحدى السيدات المسنات تتنهد قائلة: “هذا غير بريطاني”. لكن الحقيقة أن الطقس البريطاني تغيّر فعلاً، ولم يعد كما كان.

 

حرارة غير عابرة… بل واقع جديد

لم تعد موجات الحرارة مجرد استثناء، بل أصبحت القاعدة. فجنوب إنجلترا يواجه بانتظام أياماً تفوق فيها درجات الحرارة 30 درجة مئوية، وسجّلت البلاد لأول مرة 40 درجة في عام 2022. وبعض السيناريوهات تتوقع تجاوز هذا الرقم مستقبلاً، ليصل إلى 45 درجة. ورغم ذلك، لا تزال الثقافة البريطانية تتعامل مع الصيف وكأنه موسم مطر وتقلبات، لا عطش وشمس حارقة.

 

سياسات عفا عليها الزمن… وقوانين تمنع التكيّف

تجاهل التحول المناخي لم يتوقف عند العادات، بل امتد إلى السياسات. فقوانين التخطيط العمراني تمنع تركيب المظلات فوق واجهات المتاجر، وتقيّد قوانين البناء استخدام أجهزة التكييف في المنازل الجديدة. نتيجة ذلك مشهد عبثي: أنبوب بلاستيكي لجهاز تكييف منزلي يخرج بشكل مرتجل من نافذة شقة حديثة بقيمة 600 ألف جنيه إسترليني.

 

مناهضة التكييف: “أصولية مناخية” أم قصور تنظيمي؟

في الوقت الذي يعتمد فيه سكان بلدان حارة أخرى على التكييف للبقاء على قيد الحياة صيفاً، لا يزال جزء من الخطاب البريطاني، خصوصاً في بعض وسائل الإعلام، يعتبر التكييف رفاهية مفرطة. بل إن الدعم الحكومي يُمنح فقط لأنظمة التدفئة (مثل مضخات الحرارة الكهربائية)، شريطة ألا تكون قادرة على التبريد صيفاً. هذا المنطق العقيم يعكس تياراً بيروقراطياً عميقاً يرى أن “المعاناة في الصيف” قدر لا مفر منه.

 

أزمة المياه… تُختزل في “فضلات الصرف الصحي”

مع ندرة الأمطار وازدياد موجات الجفاف، خصوصاً في جنوب شرق إنجلترا، أصبحت البلاد تواجه تهديداً حقيقياً للأمن المائي. لكن بدلاً من التعامل الجاد مع المسألة، يتمحور النقاش العام حول تسرّب مياه الصرف الصحي في البحيرات والأنهار، خاصة بعد هطول الأمطار. ففي البرلمان، ذُكرت كلمة “صرف صحي” أكثر من ألفي مرة منذ عام 2020، بينما لم يُشر إلى “أمن المياه” سوى 41 مرة فقط.

 

نمط عمل غير ملائم… وسياحة داخلية ضائعة

في دول مثل فرنسا، تغلق المدن الكبرى أبوابها خلال أغسطس هرباً من الحر. أما في بريطانيا، فتبقى المكاتب مفتوحة، ويغرق الموظفون في دوامة من رسائل “خارج المكتب”. ورغم أن المناخ البريطاني أصبح شبيهاً بالمتوسط، لم تستفد البلاد من هذا التحول لصالح تنشيط السياحة الداخلية. إذ لا تزال السياسات تقف عائقاً أمام تحوّل مناطق مثل “ويتبستابل” إلى “كوستا كنت”، بسبب منع الضرائب المحلية على السياحة، ورفض توسيع الفنادق والمرافق.

 

المجالس المحلية… عبء التغيير بلا أدوات

مسؤولية مواجهة حر الصيف تقع فعلياً على عاتق السلطات المحلية، لكنها الأضعف تمويلاً في منظومة الدولة البريطانية. وهي غير قادرة على تمويل مشروعات بسيطة مثل غرس الأشجار على الأرصفة أو تزويد الشوارع بالمظلات. ضعف هذه المجالس هو القاسم المشترك بين أزمة النظام الصحي، وتراجع الفضاءات العامة، وأزمة التكيّف مع التغير المناخي.

 

صراع اليمين واليسار… بين نوستالجيا الأمس وإنكار اليوم

اليمين البريطاني يتعامل مع موجات الحر الحالية كذكريات صيف 1976 الشديدة، محاولاً تبريرها بأنها ليست جديدة. أما اليسار، فيجد صعوبة في الاعتراف بأن التغير المناخي قد يمنح بريطانيا صيفاً أكثر اعتدالاً من جيرانها الأوروبيين، وحتى من دول خط الاستواء. النتيجة: إنكار جماعي لفكرة أن المناخ الجديد يمكن أن يكون فرصة، وليس فقط كارثة.

 

بريطانيا الجديدة: حيث الشمس لا تغيب… لكن السياسة غائبة

في “ويتبستابل”، اجتازت امرأة محترقة الجلد كومة من أصداف المحار تحت شمس لا ترحم، وتنهّدت قائلة: “لقد سئمت من الشمس”. لكن الحقيقة أن الشمس لم تسأم من بريطانيا بعد. وما لم تتوقف البلاد عن إنكار واقعها الجديد، ستستمر في معاناة الصيف بدلًا من التكيّف معه والاستفادة منه.

اقراتراجع ثقه المستهلكين الأمريكيين في يونيو وسط تصاعد المخاوف الاقتصادية ايضا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى