إعادة إعمار غزة.. أوروبا تعود إلى قلب الشرق الأوسط بخطة ترامب

بعد سنوات من الغياب والتردد، تعود أوروبا إلى مسرح الشرق الأوسط عبر بوابة غزة. فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، دعم الاتحاد الأوروبي الكامل لخطة السلام التي رعتها مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا، مؤكدة استعداد بروكسل لتمويل مشاريع إعادة الإعمار.
ووفقًا لتصريحات مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد، كايا كالاس، ستستأنف بعثة مدنية أوروبية مهامها في معبر رفح لدعم اتفاق وقف إطلاق النار، في خطوة تُعيد للاتحاد حضوره الدبلوماسي بعد عامين من الانقسام والتردد في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تمويل ضخم ومهام رقابية جديدة
يضع الاتحاد الأوروبي خطة غير مسبوقة تمتد لثلاث سنوات بقيمة إجمالية تصل إلى 5 مليارات يورو. وتشير تقارير أوروبية إلى أن المرحلة الأولى ستشهد استثمار 2 مليار يورو مخصصة للبنية التحتية الحيوية، تشمل الكهرباء والمياه والمستشفيات المدمرة، مع بدء التنفيذ في الربع الأول من عام 2026.
وتُقسَّم المساعدات إلى ثلاثة مسارات رئيسية: إعادة تأهيل المنشآت الحيوية، دعم الاقتصاد المحلي وتشغيل الشباب، وتمويل الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والطاقة، في إطار رؤية أوروبية تعتبر استقرار غزة ضرورة للأمن الإقليمي ولتقليل الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
صندوق إعمار بإدارة مشتركة
الخطة الأوروبية تعتمد إنشاء صندوق خاص لإعمار غزة بإدارة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وبمساهمات من الأمم المتحدة والدول العربية. وستُوجَّه 1.5 مليار يورو لمشروعات التنمية المحلية وتشجيع الزراعة والصناعات الصغيرة، بينما يخصص الباقي لإعادة بناء المساكن والتعليم في المناطق الأكثر تضررًا.
كما أعلن الاتحاد عن ممرات إنسانية بحرية وجوية لتسريع تدفق المساعدات، إلى جانب بعثة رقابية مالية تضمن الشفافية في استخدام التمويل، في وقت أكدت فيه فون دير لاين أن إعادة الإعمار “التزام سياسي” بقدر ما هو مشروع مالي لضمان عدم عودة الحرب.
انقسامات داخلية ومخاوف سياسية
ورغم الإجماع على أهمية الدور الأوروبي، لا تزال الانقسامات قائمة داخل الاتحاد حول آلية التمويل والعلاقة مع سلطات غزة. دول مثل المجر والتشيك ترفض أي تعامل مباشر مع “حماس”، بينما تطالب إسبانيا وأيرلندا بموقف أكثر حزمًا تجاه إسرائيل ومحاسبتها على الدمار الذي لحق بالمدنيين.
ويحذر مراقبون من أن هذه التباينات قد تُبطئ تنفيذ الخطة، ما لم يتم التوصل إلى توافق يوازن بين الموقف السياسي والالتزامات الإنسانية، خاصة أن الاتحاد يسعى إلى استعادة نفوذه المفقود منذ سنوات في ملف الشرق الأوسط.
أوروبا بين النفوذ والمسؤولية
تبدو أوروبا اليوم أمام اختبار مصيري يعيد رسم ملامح حضورها في الشرق الأوسط. فبين طموحها لاستعادة دورها السياسي، وحاجتها لتأكيد مصداقيتها كقوة سلام، تمثل خطة إعمار غزة فرصة نادرة لإثبات أن بروكسل قادرة على الفعل لا الاكتفاء بالتمويل.
نجاح الاتحاد الأوروبي في تحويل وعوده إلى مشاريع ملموسة سيعيد إليه مكانته المفقودة منذ عقد، ويجعله شريكًا رئيسيًا في أي تسوية مستقبلية. أما الفشل، فسيؤكد أن القارة العجوز لا تزال رهينة ترددها، تاركة الساحة للقوى الكبرى التي تُعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة.



