غياب دبابة “أرماتا” الروسية عن حرب أوكرانيا يثير تساؤلات: مشروع طموح أم فشل مكلف؟

بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال دبابة “تي-14 أرماتا” – التي وُصفت عند إطلاقها بأنها أكثر الدبابات تقدمًا في العالم – غائبة تمامًا عن ساحة المعركة. هذا الغياب لم يمر مرور الكرام لدى المراقبين العسكريين، بل تحول إلى مؤشر فاضح على المأزق الذي تعانيه الصناعات الدفاعية الروسية، وإلى مثال حي على التباعد بين الدعاية التقنية والواقع الصناعي المتعثر.
دبابة المستقبل… خارج المعركة
منذ ظهورها الأول في عرض النصر بموسكو عام 2015، اجتذبت “أرماتا” اهتمامًا عالميًا بفضل تصميمها الراديكالي، الذي شمل برجًا غير مأهولًا وكبسولة مدرعة مستقلة للطاقم، ونظام “أفغانيت” للحماية النشطة. لكن وبعد مرور عقد كامل، لم يُرصد وجود هذه الدبابة على الإطلاق في أوكرانيا، لا في الخطوط الأمامية ولا حتى في مهمات دعم أو استعراض مؤقت.
السبب الحقيقي: الخوف من الفضيحة؟
وفقًا لتقرير نشرته The National Interest، قد يكون غياب “أرماتا” نابعًا من مخاوف استراتيجية. المسؤولون الروس، بحسب التقرير، يتجنبون الدفع بها إلى ساحة المعركة لأن فشلها الميداني المحتمل قد يطيح بفرص تصديرها مستقبلًا. إذ من المرجح أن أي أداء ضعيف للدبابة أمام الطائرات المسيرة أو الأسلحة الغربية الدقيقة، سيجعل المشترين الدوليين يعيدون التفكير في الصفقة.
ثمن لا تطيقه الميزانية العسكرية
رئيس شركة “روستيخ” الحكومية الروسية، سيرغي تشيميزوف، لم يُخفِ حقيقة أن “أرماتا” باهظة الثمن. ففي تصريح رسمي العام الماضي، قال إن الدبابة “تتفوق على جميع الدبابات الحالية من حيث الوظائف”، لكنه أقر بأن كلفتها الباهظة تجعل من الصعب إدراجها كأولوية في الإنتاج العسكري الروسي، الذي يركز حاليًا على النسخة المطورة من T-90M.
عقبات تقنية ومعضلات صناعية
وراء الكواليس، تواجه “أرماتا” جملة من المشاكل التقنية. أبرزها: صعوبة تطوير محرك مناسب للدبابة، وعدم جاهزية أنظمة التسليح والإلكترونيات الحديثة، فضلاً عن بطء في تصنيع الذخائر المتطورة. هذه التحديات، إضافة إلى محدودية البنية الصناعية الروسية، منعت المشروع من تجاوز مرحلة النموذج إلى الإنتاج الواسع أو الاستخدام القتالي الحقيقي.
منظومة عسكرية فوق طاقة روسيا؟
بعض المحللين يعتبرون أن المشروع منذ بدايته لم يكن أكثر من “وهم بصري”، هدفه الترويج لهيبة تكنولوجية أكثر من تحقيق قدرة ميدانية. آخرون يرون أن الطموح التكنولوجي في “أرماتا” ببساطة يتجاوز ما تستطيع الصناعة الروسية تنفيذه على أرض الواقع. حتى الآن، يُعتقد أن روسيا لم تنتج سوى أقل من 20 وحدة تشغيلية فقط.
مفارقة الحرب: البقاء للأبسط
في الوقت الذي تجنبت فيه موسكو استخدام “أرماتا”، اعتمدت بشكل مكثف على دبابات T-72 القديمة وT-90M المطورة، رغم قدمها النسبي. المفارقة أن هذه الطرازات القديمة أثبتت أنها أكثر موثوقية وأسهل صيانة على أرض المعركة، مقارنة بـ”التحفة المستقبلية” غير القابلة للتشغيل بكفاءة في ظروف القتال الحقيقية.
ردود الغرب: ليس العبرة في التصميم بل في التنفيذ
في المقابل، يرى مراقبون غربيون أن المفهوم العام لتصميم “أرماتا” – مثل البرج غير المأهول والتقنيات الذاتية – قد يكون نواة لدبابات الجيل الجديد في الغرب. لكن الفرق الجوهري، حسب تحليلهم، أن الدول الغربية تملك قاعدة صناعية وتقنية متطورة تسمح بتحقيق هذه التصاميم فعليًا، لا الاكتفاء بعرضها على الورق.
أرماتا: طموح عالق بين الدعاية والواقع
في نهاية المطاف، تحولت “أرماتا” من رمز القوة الروسية إلى تمثال دعائي جامد، يتآكل على أرصفة المصانع أو يعلوها الغبار في ساحات التخزين. وبالنسبة لروسيا، التي تسعى لفرض وجودها عسكريًا وتكنولوجيًا على الساحة الدولية، فإن هذا الغياب الفعلي يعدّ تذكيرًا صارخًا بأن الدعاية وحدها لا تحسم الحروب، ولا تضمن التفوق.