الوكالات

مقارنة الكرملين بين أذربيجان وأوكرانيا تكشف هواجسه من فقدان السيطرة

لماذا تقارن روسيا أذربيجان بأوكرانيا؟

في بداية يوليو 2025، أثار فلاديمير ميدينسكي، أحد أبرز منظّري الكرملين، جدلاً جديدًا حين شبّه الصراع بين أرمينيا وأذربيجان بالحرب الروسية على أوكرانيا. وبالرغم من كون المقارنة سطحية من الناحية السياسية والتاريخية، إلا أنها تكشف عن قلق عميق داخل المؤسسة الروسية: الخوف من أن تحذو أوكرانيا حذو أذربيجان في استعادة أراضيها بالقوة، كما فعلت الأخيرة في قره باغ.

 

ميدينسكي… لسان حال الأوهام الإمبراطورية

فلاديمير ميدينسكي، وزير الثقافة الروسي السابق وكاتب خطابات بوتين، يُعرف بأنه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في صياغة الخطاب القومي الروسي. وهو من صاغ المقال الشهير لبوتين عام 2021، الذي نفى فيه وجود “أمة أوكرانية مستقلة”، ممهّدًا لغزو 2022.

 

وفي أحدث تصريحاته، حذّر ميدينسكي من سيناريو شبيه بما حصل في جنوب القوقاز: أي أن توقيع اتفاق هدنة بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدي إلى ما أسماه بـ”خسارة تدريجية” للسيطرة، كما حدث لأرمينيا مع أذربيجان. الرسالة المبطّنة: لا ثقة في الحلول الدبلوماسية، ما لم تكن مدعومة بقوة السلاح.

 

هل تتشابه أوكرانيا وأذربيجان فعلاً؟

رغم تشابه الحالتين في السطح – دولتان من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق تسعيان لاستعادة أراضٍ احتلتها قوى مدعومة من موسكو – إلا أن أوجه الاختلاف جوهرية:

 

أذربيجان استعادت أراضيها في ناغورنو قره باغ مرتين (2020 و2023) عبر عمليات عسكرية مدروسة ومدعومة بتحالفات استراتيجية مع تركيا وإسرائيل، وليس مع الغرب أو الناتو.

 

الولايات المتحدة كانت قد منعت في السابق تقديم مساعدات عسكرية لأذربيجان بموجب “البند 907” من قانون دعم الحرية عام 1992.

 

أوكرانيا، من جهتها، لم تتلقّ دعمًا عسكريًا فوريًا بعد الغزو الروسي الأول عام 2014. بل إن إدارة أوباما امتنعت عن تسليح كييف رغم تعهدات “مذكرة بودابست” عام 1994. ولم يبدأ الدعم الفعلي إلا بعد تحرير محيط كييف في ربيع 2022.

 

هل يخشى الكرملين أن تكرر أوكرانيا سيناريو باكو؟

ما يُخيف ميدينسكي – والكرملين من خلفه – هو أن تصحو أوكرانيا ذات يوم وقد امتلكت القدرات العسكرية لاستعادة المناطق الأربع التي ضمّتها روسيا رسميًا عام 2022.

ورغم العقوبات والعزلة، تُصنّع أوكرانيا اليوم أكثر من 60% من حاجاتها العسكرية داخليًا، عبر مئات الشركات الدفاعية المحلية.

 

وبهذا المعنى، فإن المقارنة مع أذربيجان ليست عبثية من وجهة النظر الروسية، بل تعكس خوفًا من فقدان السيطرة على جمهوريات “ما بعد الاتحاد السوفيتي” الواحدة تلو الأخرى.

 

لماذا تساند روسيا أرمينيا على حساب أذربيجان؟

تاريخيًا، دعمت موسكو أرمينيا لأسباب دينية وجيوسياسية:

 

دينيًا: روسيا، كوريثة “الإمبراطورية المسيحية الأرثوذكسية”، تتماهى مع أرمينيا المسيحية، بينما تنظر إلى أذربيجان المسلمة بعين الشك.

جيوسياسيًا: أرمينيا عضو في المنظمات التي تهيمن عليها روسيا مثل “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، على عكس أذربيجان التي تحظى بعلاقات أعمق مع تركيا والغرب.

هذا التحيّز الراسخ يجعل من أرمينيا أول “دولة دمية” موالية لروسيا، على حد تعبير المقال، فيما فُرضت التبعية على بيلاروسيا لاحقًا بعد احتجاجات 2020.

 

هل تستطيع روسيا قبول استقلال جيرانها السابقين؟

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، لم تنظر موسكو إلى الجمهوريات السابقة كدول ذات سيادة كاملة.

ففي عقل الكرملين، لا تزال أوراسيا “حديقة خلفية” حصرية لروسيا، ومن غير المسموح أن تنشأ فيها ديمقراطيات مستقلة موالية للغرب، سواء في تبليسي، كييف، أو باكو.

 

ولهذا فإن نجاح أذربيجان في استعادة أراضيها دون دعم مباشر من واشنطن يُربك السردية الروسية، التي تضع كل خسارة إقليمية في خانة “مؤامرة غربية”.

اقرأ أيضاً:

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في فرنسا: الاستثمارات تلعب دورًا حاسمًا

في النهاية… ليست المقارنة، بل التحوّل هو ما يقلق روسيا

ليس أوجه الشبه بين أذربيجان وأوكرانيا هو ما يقلق ميدينسكي وبوتين، بل الخوف من العدوى: أن تنجح كييف في تحويل نفسها إلى دولة قادرة على التحرير دون الاعتماد على “العم سام”، كما فعلت باكو.

 

وإذا تحقق هذا السيناريو، فسيتعين على روسيا أن تواجه ليس فقط خسائر عسكرية، بل انهيارًا في مشروعها الإمبراطوري بأكمله.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى