الاقتصاد

"ترامب في الشرق الأوسط: سياسة دبلوماسية أم توسيع للنفوذ العائلي والاستثماري؟"

"رحلة ترامب بين السياسة والربح: تعزيز العلاقات مع حكومات الخليج"

في أول أيامه بالبيت الأبيض بعد عودته إلى الحكم، سُئل دونالد ترامب عن وجهته الخارجية الأولى، فاستغل السؤال ليتباهى بمهاراته في إبرام الصفقات، مؤكدًا أنه سيقنع السعودية بضخ مئات المليارات في الاقتصاد الأمريكي. لكن خلف هذا الخطاب الاقتصادي، كانت هناك رواية موازية وأكثر خطورة: تعزيز علاقات ترامب العائلية والاستثمارية مع حكومات الخليج.

السعودية وجهة استراتيجية للمال

خلافًا للتقليد الرئاسي الأمريكي الذي يفضل زيارة كندا أو بريطانيا كأول وجهة دولية، اختار ترامب – كما فعل في ولايته الأولى – أن يبدأ جولته بالسعودية. والسبب هذه المرة أكثر وضوحًا: المال. فقد أعلن صراحةً أن السعودية إذا كررت صفقة الـ450 مليار دولار التي وقعها معها في 2017، بل وأضاف عليها بسبب التضخم، فسوف تكون المملكة وجهته الأولى من جديد.

الاستثمار السعودي في الاقتصاد الأمريكي

وبالفعل، لم يتأخر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الرد، واعدًا باستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال أربع سنوات. هذه الوعود لم تكن مجرد تصريحات سياسية، بل جزء من تفاهم أكبر: الدعم السياسي مقابل التسهيلات الاقتصادية – ومنها الاستثمارات في شركات ترامب العائلية.

تضارب المصالح في قلب الزيارة

زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات لا يمكن فصلها عن مصالح “منظمة ترامب” التجارية، فالدول الثلاث تحتضن مشاريع عقارية وفنادق ومنتجعات تحمل اسم الرئيس الأمريكي، في اتفاقيات تحقق لعائلته ملايين الدولارات كعوائد ترخيص دون استثمار مباشر.

المشاريع العقارية في السعودية وقطر والإمارات

في السعودية، وقّعت شركة “ترامب” اتفاقيتين لترخيص علامتها التجارية على برج سكني في جدة ومشروع “ترامب تاور” في الرياض، بقيمة إجمالية تقدر بنصف مليار دولار، تقودها شركة “دار جلوبال” التابعة لمطور عقاري سعودي كبير، يرتبط بمصالح مباشرة مع الحكومة السعودية.

كما أن المملكة كانت حليفًا رئيسيًا لترامب بعد عزله في 2021، عندما فقد العديد من رعاة مشاريعه. فقد لجأ إلى بطولة الغولف “LIV”، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والتي استضافها في نواديه الخاصة بالولايات المتحدة، ما أنقذ إمبراطوريته التجارية مؤقتًا.

المشروعات القطرية والإماراتية

في قطر، أعلنت “منظمة ترامب” مؤخرًا عن شراكة في مشروع ضخم يتضمن ملعب غولف وفيلات فاخرة قرب الدوحة، بالتعاون مع شركة عقارية مملوكة للحكومة القطرية. ويثير هذا المشروع مخاوف متزايدة من انتهاك “بند المكافآت الأجنبية” في الدستور الأمريكي، والذي يمنع الرئيس من تلقي مدفوعات من حكومات أجنبية دون موافقة الكونغرس.

في الإمارات، يتوسع النشاط العقاري لترامب مع مشاريع جديدة في دبي، أبرزها فندق وبرج “ترامب إنترناشونال” بارتفاع 80 طابقًا وتكلفة مليار دولار، تشيده أيضًا “دار جلوبال” السعودية. كما دخلت عائلة ترامب في صفقة عملة رقمية جديدة مع صندوق استثماري مدعوم من حكومة أبوظبي، قد تدر مئات الملايين.

عندما تلتقي السياسة بالربح

خلف واجهة التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، ترسم زيارة ترامب ملامح نهج جديد في السياسة الخارجية الأمريكية: الاستفادة من السلطة لتعزيز الثروات الشخصية والعائلية. فبينما يدعي السعي وراء مصالح الشعب الأمريكي، فإنه ينسج شبكة علاقات مع قادة دول يمكنهم التأثير المباشر على مصير مشاريعه التجارية.

السياسة أو التجارة؟

يبدو واضحًا أن ترامب لا يفرق بين كونه رئيسًا وقائدًا لأكبر اقتصاد عالمي، وبين كونه رجل أعمال يسعى لتوسيع علامته التجارية. وفي ظل غياب الرقابة الكافية من الكونغرس أو أجهزة الرقابة الأخلاقية، قد يكون الشرق الأوسط المسرح الأول لاختبار حدود تضارب المصالح في رئاسة ترامب الثانية – ولكن بالتأكيد، لن يكون الأخير.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى