عربي وعالمي

ترامب بين التسامح الدولي والانتقام الداخلي: رئيس يعقد الصفقات ويصفي الحسابات

رحلة ترامب للشرق الأوسط تكشف ازدواجية سلوكه بين الخارج والداخل الأمريكي

 

في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة المواجهات السياسية داخل الولايات المتحدة عبر قرارات وإجراءات انتقامية تستهدف خصومه وناقديه، يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصورة مغايرة تمامًا في الخارج: رجل مصالح، متسامح، براغماتي، وأكثر استعدادًا للتصالح مع من كانوا يومًا أعداءه. هذا التباين الواضح بين سلوكه المحلي والدولي تجلى خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، أولى رحلاته الخارجية الكبرى في ولايته الثانية.

خطاب المصالحة في قلب الشرق الأوسط

 

أثناء كلمته في “منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي” بالرياض، تحدث ترامب بنبرة تصالحية غير معتادة، قائلاً: “لم أؤمن يومًا بالأعداء الدائمين، أنا مختلف عما يظنه الناس”. هذا التصريح لم يكن مجرد عبارة دبلوماسية، بل رافقه إعلان مفاجئ برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، في خطوة وُصفت بكونها إنقاذًا اقتصاديًا لبلد مثقل بالحرب والعزلة. وأوضح ترامب أن العقوبات كانت قاسية لكنها ضرورية في وقتها، مضيفًا: “الآن، حان وقتهم ليتألقوا”.

لقاء تاريخي مع الرئيس السوري الجديد

الحدث الأبرز في الزيارة كان لقاؤه بالرئيس السوري الجديد أحمد الشراع، قائد التحالف الثوري الذي أطاح ببشار الأسد، والذي كانت له علاقات قديمة بتنظيم القاعدة. اللقاء الذي عقد في الرياض أنهى قطيعة دبلوماسية استمرت 25 عامًا، ولم يكن مجرد لقاء رمزي، بل أعرب ترامب عن إعجابه بالرئيس الشاب واصفًا إياه بـ”المقاتل القوي ذو الماضي الصعب”.

توصيات الحلفاء تُعيد رسم السياسة تجاه دمشق

لم يكن التحول في موقف ترامب تجاه سوريا وليد اللحظة، بل جاء بناءً على نصائح من حليفين مقربين: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. العلاقة الشخصية التي تجمع الثلاثي بدت كافية لقلب سياسة أمريكية عمرها سنوات تجاه دمشق، في مشهد يكشف وزن المصالح والتحالفات في عقل ترامب السياسي.

تصالح مع قطر رغم الاتهامات السابقة

استمر مسار التسامح ليشمل قطر، التي سبق وأن اتهمها ترامب في ولايته الأولى بتمويل الإرهاب. لكنه هذه المرة وصف الأمير تميم بأنه “صديق قديم”، وعبّر عن امتنانه لهدية ثمينة: طائرة خاصة تقدر قيمتها بـ400 مليون دولار لتحل محل “إير فورس وان”. الأبعاد الشخصية والعائلية لعلاقات ترامب مع دول الخليج ظلت حاضرة في الكواليس، خصوصًا في ظل استمرار المصالح الاقتصادية لعائلته في المنطقة.

الملف الإيراني: تقارب رغم محاولة الاغتيال

أما التحدي الأهم فتمثل في الملف الإيراني، حيث فاجأ ترامب الجميع برغبته في فتح صفحة جديدة مع طهران رغم إعلان واشنطن عن محاولة اغتيال تعرض لها من قبل عملاء مرتبطين بالحرس الثوري. دعا ترامب إلى صفقة نووية جديدة، مؤكدًا أنه لا يسعى لحرب، بل إلى اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وأضاف بنبرة ساخرة: “لن نصنع غبارًا نوويًا في إيران”، ملمحًا إلى استعداده للحلول السلمية، مع الاحتفاظ بخيار القوة إذا لزم الأمر.

الداخل الأمريكي: لا مكان للتسامح 

وعلى النقيض من هذه المصالحات الخارجية، يبدو أن ترامب لا يملك المساحة ذاتها للتسامح في الداخل. منذ عودته إلى الحكم، بدأ في تصفية حسابات سياسية واسعة، استهدفت مسؤولين سابقين، وإعلاميين، وحتى محامين عملوا معه. شملت الإجراءات سحب تصاريح أمنية، والمطالبة بالتحقيقات، والملاحقة العلنية لكل من خالفه الرأي، بمن فيهم كريس كريبس الذي أكد نزاهة الانتخابات.

الإعلام هدف دائم للهجوم

لم يسلم الإعلام من نيران ترامب، حيث كثّف من هجماته اللفظية على وسائل الإعلام التي لا تساير رواياته، وفرض إجراءات تضييق تعكس عقليته غير المتسامحة مع أي نقد أو معارضة. هذا السلوك يضع صورة ترامب في تناقض صارخ مع نفسه، حيث يظهر في الخارج متسامحًا، بينما في الداخل يمارس نوعًا من الانتقام السياسي الممنهج.

ازدواجية مقلقة: تسامح مع الخارج.. قسوة على الداخل

الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذه الجولة الشرق أوسطية هي أن ترامب يسعى لبناء “نظام عالمي” قائم على الصفقات والمصالح، متجاهلًا الماضي، ومستعدًا للتصالح مع من وصفهم سابقًا بأعداء أمريكا. لكنه داخليًا، يقود معركة ضارية ضد خصومه السياسيين، في مشهد يعكس زعيمًا يرى فيالخارج مجالًا للمصالح، وفي الداخل ساحة لتصفية الحسابات.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى