عربي وعالمي

"علاقة خاصة بطعم الإهانة: كيف تحولت بريطانيا إلى متسول دبلوماسي في عهد ترامب".

بين التودد والتهميش: مأزق بريطانيا في علاقتها مع إدارة ترامب".

كشفت الأنباء الأخيرة أن بريطانيا أصبحت في مرتبة متأخرة ضمن أولويات التفاوض التجاري لإدارة ترامب، متأخرة عن دول مثل كوريا الجنوبية واليابان. هذا الوضع يعكس حقيقة يصعب إنكارها: التودد السياسي المجاني لا يُؤتي ثماره. وعلى الرغم من أهمية المصالح الاقتصادية، فإن المزاج العام في بريطانيا يتسم بسخرية قاتمة، إذ تكرر لندن دور الطرف المتنازل في علاقة غير متوازنة مع شريك أكثر قوة وتقلبًا. تتردد بين البريطانيين كلمتا “الأمل” و”خيبة الأمل” كأنهما لازمتان للعلاقة مع الولايات المتحدة. فخلال السنوات الأخيرة، ثبت أن إرضاء ترامب لا يحقق إلا المزيد من الإذلال، تمامًا كما أثبتت تجربة جامعة كولومبيا التي قدمت تنازلات بلا مقابل يُذكر.

القصور الملكية… رسائل مبطّنة لا تُقرأ

دعوة الملك البريطاني للرئيس ترامب إلى قصر بالمورال لم تكن خطوة عفوية. فعلى الرغم من فخامته، يظل هذا القصر أقل شأنًا من قصر باكنغهام، وكأن في الدعوة رسالة دبلوماسية خفية تعبّر عن تراجع في الحفاوة الرسمية. لكن هذه الرمزية البروتوكولية لم تجد آذانًا صاغية في واشنطن، وربما لم تُفهم أصلاً. وما يزيد من الإحباط هو أن هذه الإيماءات لم تُثمر تحسنًا في مكانة بريطانيا لدى ترامب، الذي يُظهر تجاوبًا أكبر مع مصالح شركات مثل وولمارت وآبل مقارنة بأي مسؤول بريطاني.

علاقة مختلة: إذعان بريطاني وتجاهل أميركي

تُجسد العلاقة بين لندن وواشنطن اليوم نموذجًا لعلاقة غير متوازنة، حيث تبذل بريطانيا قصارى جهدها للتودد وكسب رضا إدارة ترامب، بينما تنجح دول أخرى، بالصرامة والثبات، في فرض مطالبها. حتى كندا، التي كانت دومًا حليفة معتدلة، أصبحت أكثر صراحة في خطابها مع واشنطن. يبدو أن الجرأة أصبحت عملة مقبولة، بينما التنازل لا يُكافأ. ورغم وضوح هذا المشهد، تستمر الحكومة البريطانية في سياسة الإرضاء، غير مدركة أن قرارات ترامب غالبًا ما تنبع من المزاج لا من منطق سياسي مدروس.

استرضاء بلا مقابل: وهم العلاقات المتزنة

تقوم السياسة البريطانية اليوم على فكرة مفادها أن الالتزام بالكلمات “الصحيحة” والسلوك “الصحيح”، مع الامتناع عن أي استفزاز، قد يكسبها نقاطًا لدى ترامب. غير أن هذه المقاربة تتجاهل الطابع المتقلب للرئيس الأميركي، الذي لا يبدو أن الإطراء أو الصمت يردعانه عن اتخاذ قرارات مفاجئة وغير محسوبة. وفي هذا السياق، تتحول العلاقة إلى نوع من الانتظار العبثي، لا يحصد منه البريطانيون سوى الترقب القلق والقليل من النتائج الملموسة.

بين الإهانة والتحول: اختبار لكرامة بريطانيا الدبلوماسية

ما قامت به إدارة ترامب مؤخرًا من استبعاد بريطانيا عن أولويات التفاوض لا يمكن اعتباره فقط تجاهلًا عابرًا، بل ربما يكون إشارة صريحة لإعادة رسم قواعد العلاقة الثنائية. سواء كانت هذه الصفعة نتيجة لسياسة مدروسة أو مجرد عرض جانبي لفوضى الإدارة الأميركية، فإن رسالتها واحدة: على بريطانيا أن تُعيد تقييم استراتيجيتها تجاه الولايات المتحدة. فلم يعد مقبولًا الاحتماء بالبروتوكولات الملكية أو ادّعاء الحكمة بينما الكرامة السياسية تتآكل. قد تكون لحظة الانفصال السياسي مؤلمة، لكنها أحيانًا أقل خطرًا من البقاء في علاقة مختلّة لا تنتج سوى المزيد من التنازلات.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى