هل يختار جيل الألفية الكلاب بديلًا عن الأطفال في عالم معقد؟
العلاقة مع الكلاب تعكس رغبة في الحب والارتباط وليست هروبًا من الأبوة.

أحيانًا، تطرح الدراسات العلمية أسئلة تبدو للوهلة الأولى غير منطقية أو مصطنعة، لكنها تثير الفضول بما تقدمه من نتائج. ومن هذه الأسئلة ما ورد في دراسة حديثة نُشرت في مجلة European Psychologist، والتي سألت: “في ظل تزايد عدد الكلاب المُعاملة كأفراد من الأسرة، وتراجع معدلات الإنجاب، هل بات البعض يختار الكلاب كبديل عن الأطفال؟”
نتائج الدراسة: الواقع أكثر تعقيدًا
كشفت الدراسة أن حوالي 16% من أصحاب الكلاب يعتبرون كلابهم بمثابة أطفال، ويستخدم كثيرون منهم مصطلحات مثل “أمهات وآباء الحيوانات الأليفة” و”أطفال الفراء”. ومع ذلك، تؤكد الدراسة أن هذه الحالات لا تمثل الأغلبية، بل إن معظم الناس يفضلون الكلاب لأنها ليست بشرًا صغارًا، بل كائنات مختلفة بعلاقات مختلفة.
السياق السياسي والاجتماعي للدراسة
من المهم الانتباه إلى السياق الذي خرجت منه هذه الدراسة: المجر، حيث أصبحت قضايا انخفاض معدل الإنجاب موضوعًا سياسيًا بارزًا. فقد أعلن رئيس الوزراء فيكتور أوربان عن إعفاء الأمهات اللواتي ينجبن طفلين أو أكثر من ضريبة الدخل مدى الحياة. ومع ذلك، فإن الدراسة نفسها تبقى غير مؤدلجة، وتركز ببساطة على العلاقة بين الإنسان والكلب، بعيدًا عن خطاب “الواجب الوطني للإنجاب”.
الكلاب ليست بديلًا عن الأطفال – بل نقيضًا لهم
إن تجربة تربية كلب لا تشبه تربية طفل، ولا يمكن اعتبارها بديلًا عنها. من عاش التجربتين يدرك الفارق الكبير بينهما. العلاقة مع الكلب ليست نسخة مخففة من الأبوة، بل علاقة فطرية، عاطفية، ومميزة بطبيعتها. الكلاب، بوفائها وتعلقها غير المشروط، تمنح نوعًا من الحب يندر وجوده حتى في عالم الأبوة.
دور الكلاب في تشكيل الإنسان العاطفي
لم تكن الكلاب مجرد كائنات دُجنت من قبل الإنسان، بل ساهمت هي أيضًا في تشكيلنا اجتماعيًا وعاطفيًا. علمتنا كيف نحب ونتواصل مع كائنات مختلفة عنا، دون انتظار مقابل. الكلب يبقى وفيًا، يرى في صاحبه مركزًا للعالم – بعكس الأطفال الذين ينمون، ويستقلون، ويغادرون تدريجيًا.
السؤال الأهم: لماذا لا الأطفال؟
عوضًا عن التساؤل “لماذا يختار الناس الكلاب؟”، ربما يجب أن نسأل: “لماذا لم يعد الناس يختارون الأطفال؟”. الإجابة قد تكمن في ارتفاع تكاليف المعيشة، وغياب الثقة في دعم الدولة، والأزمات البيئية والسياسية التي تجعل المستقبل غير مضمون. هذه العوامل مجتمعة تُفسر أكثر من مجرد رغبة في تربية كلب.
تربية الكلاب ليست بالأمر السهل
يُفترض خطأً أن تربية الكلاب تجربة سهلة مقارنة بتربية الأطفال. في الواقع، هي تتطلب التزامًا يوميًا، ورعاية دائمة، ونفقات مالية كبيرة. في كثير من الجوانب، تشبه تربية الكلاب السنوات الأولى من حياة الطفل: مراقبة مستمرة، انعدام القدرة على التواصل بالكلام، وسلوكيات تحتاج إلى توجيه.
الالتزام دليل على الرغبة في التعلق
ما أظهرته فترة الإغلاق خلال الجائحة – حيث تم شراء أكثر من 3.2 مليون حيوان أليف في بريطانيا وحدها – هو أن الناس لا يهربون من المسؤولية، بل يبحثون عنها. إنهم يرغبون في الحب، والارتباط، والتعلق – حتى وإن جاء ذلك من خلال كلب.
الخلاصة: الكلاب رفقة لا بديل
الكلاب ليست بديلًا عن الأطفال، بل علاقة قائمة بذاتها، فريدة في طبيعتها ومغزاها. السؤال الحقيقي لا يتعلق بما إذا كانت الكلاب تحل محل الأطفال، بل لماذا بات قرار إنجاب طفل أمرًا صعبًا ومعقدًا في عالمنا المعاصر؟