لن نكون الصامتين”: قصة نهوض سلوفاكيا في وجه التطرف
35 عامًا بين شمعتين: من الثورة المخملية إلى مواجهة كوتليبا

في قلب مدينة بانسكا بيستريتسا، وتحديدًا في ساحتها التاريخية، وقفتُ يومًا كفتاة شابة أُشعل شمعة في إحدى ليالي نوفمبر 1989، تضامنًا مع طلبة براغ خلال انطلاقة الثورة المخملية. كان ذلك المشهد مفعمًا بالأمل، ولم يخطر ببالي حينها أنني سأعود إلى نفس الساحة بعد 35 عامًا، لكن هذه المرة لأخاطب الحشود دفاعًا عن الديمقراطية المهددة.
في عام 2013، هزّنا حدث صادم: فوز ماريان كوتليبا، زعيم الحزب اليميني المتطرف “سلوفاكيا لنا”، بمنصب الحاكم الإقليمي. لم يكن ذلك مجرد فوز انتخابي، بل ناقوس خطر أعلن أن النازية الجديدة لم تعد مجرد فكرة هامشية. منذ تلك اللحظة، أدركتُ – كما توضح البروفيسورة ألكسندرا بيتوشيكوفا في مقالها المنشور عبر صحيفة The Guardian البريطانية – أن الوقوف موقف المتفرج لم يعد مقبولًا، وأن التغيير يبدأ من الناس، من القاعدة.
ولادة حركة “ليس في مدينتنا”
في الليلة التي تلت الانتخابات، اجتمعنا أمام متحف الانتفاضة الوطنية السلوفاكية – رمز المقاومة ضد النازية. أشعلنا الشموع، غنينا وبكينا، وبدأنا نناقش كيف يمكننا الدفاع عن الديمقراطية ليس بالكلام، بل بالفعل.
من هذا اللقاء العفوي، وُلدت حركة شعبية غير رسمية سُمّيت “ليس في مدينتنا” (Niot). لم يكن أي من المشاركين ناشطًا من قبل، لكن دافعهم كان واضحًا: حماية الحريات ومنع عودة الاستبداد، سواء بزي نازي أو شيوعي.

نضال صعب ونتائج ملموسة
على مدار أربع سنوات، قادت “Niot” حملات توعية وتثقيف من خلال النقاشات العامة، وعروض الأفلام، والأنشطة الثقافية، بمساعدة الصحفيين والأكاديميين. وزّعنا منشورات توضح فساد كوتليبا وسوء إدارته، إضافة إلى مواقفه العنصرية.
أطلقنا أيضًا برنامج “مدارس من أجل الديمقراطية”، حيث استخدمنا أسلوب “المكتبات الحيّة” لتمكين الأقليات من مشاركة تجاربهم الحياتية مع طلاب المدارس. الهدف كان واضحًا: تعزيز الوعي بالتسامح والتاريخ السلوفاكي مع التطرف.

أهمية المشاركة الانتخابية: لا تصمت، اذهب لتصوّت
من العوامل الحاسمة التي ساعدت كوتليبا على الفوز في 2013 كانت ضعف المشاركة الشعبية – لم يصوّت سوى 25% من الناخبين. لذلك، ركزنا جهودنا في 2017 على تشجيع الناس على التصويت من خلال حملة “معًا نحن أكثر قوة”، وشرحنا لهم كيف يفتح الامتناع عن التصويت الباب أمام التطرف.
كما فضحنا رفض كوتليبا لمساعدات الاتحاد الأوروبي التي كانت ستُستخدم لتحسين المدارس والمستشفيات – قرارات أضرت بالمواطنين بشكل مباشر.

الانتصار الأول: إسقاط كوتليبا من منصبه
بتوحيد الجهود بين الأحزاب الديمقراطية، دعمنا رجل الأعمال المحترم يان لونتر كمرشح بديل موحد. وفي انتخابات 2017، فاز لونتر بنسبة 49% مقابل 23% لكوتليبا. كانت لحظة مفصلية أثبتت أن العمل الشعبي المنظم قادر على إحداث التغيير.

مرحلة جديدة من النضال: مواجهة فاسدي السلطة
لكن التحديات لم تنتهِ. ففي 2023، عاد روبرت فيكو إلى رئاسة الوزراء بمواقف معادية للاتحاد الأوروبي ومؤيدة لروسيا. وعندما زار موسكو في ديسمبر 2024 دون تفسير، نظّمنا أول احتجاجات – رغم اقتراب أعياد الميلاد.
منذ ذلك الحين، نقيم مسيرات أسبوعية كل يوم جمعة، يشارك فيها آلاف المواطنين، بالتعاون مع حركات داعمة لأوكرانيا. رسالتنا بسيطة: “سلوفاكيا هي أوروبا. نحن أوروبا.”
رغم التهديدات: لا صمت بعد اليوم
في يناير 2025، نُشرت عناوين منازل بعض نشطاء Niot على قنوات مشبوهة، مما استدعى زيادة حماية الشرطة. لكننا لم نتراجع، واستمررنا بتنظيم الفعاليات والنقاشات العامة في أنحاء البلاد. ورغم أن حركتنا لا تزال غير رسمية ولا تملك أي وضع قانوني، إلا أن قوتها تكمن في تنوع أعضائها، والتواصل الإنساني المباشر.

الدروس المستفادة: الخطر الحقيقي هو اللامبالاة
سلوفاكيا، رغم صغرها، بلد جميل غالبًا ما يُغفل عنه. ومن خلال حركة “ليس في مدينتنا”، نُثبت أن الديمقراطية يمكن أن تُحمى بالإرادة الشعبية. فالتطرف لا يُهزم بالسكوت، بل بالمشاركة والوعي.
لقد علمنا التاريخ أن الخطر لا يكمن فقط في الطغاة، بل في اللامبالين. وكما قلنا في 1989، نقولها اليوم:
“لن نصمت أبدًا… ليس بعد الآن.”