عربي وعالمي

خطة حزب العمال الجديدة تُهدد استقرار المهاجرين وتقوّض فرص التجنيس العادل

تمديد الإقامة لعشر سنوات يزيد الأعباء ويؤخر حلم المواطنة البريطانية

بينما يواصل الساسة البريطانيون الترويج لصورة وردية عن سهولة دخول البلاد والحصول على جنسيتها، تصطدم هذه الرواية بحقائق مغايرة تمامًا. فزعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي يُفترض به دعم اندماج المهاجرين، يتبنى حاليًا سياسات قد تعمّق عزلتهم وتزيد معاناتهم لسنوات طويلة.

تعديل جوهري في مسار التجنيس

في قلب هذه المقترحات المثيرة للجدل، يبرز اقتراح بمدّ فترة الإقامة اللازمة للحصول على الإقامة الدائمة – ثم الجنسية – من خمس سنوات إلى عشر. وبصفتي شخصًا حصل على الجنسية بعد خمس سنوات من الإقامة، فإن هذا القرار مثّل لي صدمة حقيقية، إذ يعني مضاعفة التحديات وتقويض أحلام مئات الآلاف ممن يسعون للاستقرار في بريطانيا.

زيف فكرة “الجنسية التلقائية”

خلافًا لما يعتقده البعض، لا توجد طريقة تلقائية للحصول على الجنسية البريطانية، سواء عبر الزواج من بريطاني أو حتى عبر الولادة في المملكة المتحدة لأبوين غير بريطانيين. إنما الأمر يتطلب سنوات من الإقامة القانونية والعمل، يليها الحصول على “الإقامة الدائمة”، ثم انتظار عام إضافي قبل التقديم على الجنسية.

ومع التعديلات المقترحة، قد تمتد هذه الفترة لأكثر من 11 عامًا، دون احتساب السنوات التي يقضيها الفرد بتأشيرات مؤقتة أو دراسية لا تدخل في حساب “الاستقرار”. هذا التمديد يحمّل الأسر أعباء مادية ونفسية جسيمة، ويقوّض كل معاني الاندماج الاجتماعي.

أعباء اقتصادية ترهق العائلات

تكاليف الالتزام بمسار الإقامة طويلة الأجل ليست رمزية على الإطلاق. تبلغ رسوم تمديد التأشيرة الواحدة نحو 2000 جنيه إسترليني، يضاف إليها رسم الرعاية الصحية السنوي الذي يصل إلى 1035 جنيهًا لكل فرد. بالنسبة لعائلة مكونة من أربعة أفراد، قد تتجاوز التكاليف خلال عشر سنوات 35 ألف جنيه، دون احتساب نفقات التعليم أو الرسوم الإدارية الأخرى.

كما أن الأطفال الذين لا يملكون إقامة دائمة قد يُعاملون كطلاب أجانب عند دخولهم الجامعة، مما يزيد أعباء التعليم العالي ويضاعف الضغوط المالية على الأسر.

مخاوف نفسية وقلق وظيفي دائم

في بريطانيا، تأشيرات العمل غالبًا ما تكون مرتبطة بصاحب العمل، مما يجعل تغيير الوظيفة أمرًا بالغ الصعوبة ويتطلب من صاحب العمل الجديد تكفّل إجراءات الرعاية. أي تغيّر في ظروف العمل – من مرض طويل الأمد إلى نزاع مع المدير – قد يتحول إلى خطر وجودي يهدد استقرار الأسرة بأكملها.

هذه البيئة تولّد طبقة من “العمال المؤقتين الدائمين”، الذين يدفعون الضرائب ويعملون في قطاعات حيوية، لكنهم محرومون من الحقوق الأساسية مثل التصويت أو الأمان الاجتماعي أو الإحساس بالانتماء الحقيقي.

غموض تشريعي يُعمّق القلق

أحد أبرز عيوب خطة حزب العمال الجديدة هو غياب التفاصيل الدقيقة. فرغم الحديث عن استثناءات لبعض الفئات، لم توضح الحكومة المعايير التي ستُعتمد، مكتفية بالوعد بـ”مشاورات لاحقة”. هذا الغموض يفتح الباب أمام بيروقراطية شائكة وتفسيرات متناقضة، كما وصفها أحد المهاجرين: “كأنك تصعد درجًا ينهار تحت قدميك”.

الاندماج لا يُبنى على الخوف

غالبًا ما يروّج السياسيون لمفهوم “الاندماج”، باعتباره التزامًا من المهاجر بتبني القيم البريطانية. لكن هذا الاندماج لا يمكن أن يتحقق في ظل شعور دائم بعدم الأمان، أو عندما يُعامل المهاجر كعنصر مؤقت لا يُسمح له بالانتماء الكامل للمجتمع.

إن تمديد مدة الإقامة قبل التجنيس لا يمثل مجرد تغيير قانوني، بل يعكس تحولًا أعمق في فلسفة التعامل مع المهاجرين: من روح الشراكة إلى مناخ الشك والعزلة.

خلاصه: ثمن باهظ لسياسات قصيرة النظر

من السهل إطلاق الشعارات حول “السيطرة على الحدود” أو “إصلاح نظام الهجرة”، لكن الواقع أن من يدفع الثمن هم المهاجرون الذين التزموا بالقوانين وساهموا في نهضة البلاد. سياسات كهذه تختزل الإنسان إلى مجرد عامل مؤقت، وتغلق الأبواب في وجه من أراد أن يجعل من بريطانيا وطنًا له ولأسرته.

إذا كانت هناك تجربة فاشلة فعلًا، فهي ليست في استقبال المهاجرين، بل في إخفاق السياسات في منحهم الأمل والأمان والفرصة للانتماء الحقيقي.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى