مونزو… من تطبيق محبوب إلى بنك يبحث عن الولاء الحقيقي
بين رمزية "الهوت كورال" وتحديات السوق الناضجة: هل تكفي العاطفة لبناء علاقة مصرفية مستدامة؟

في ذروة موجة التكنولوجيا المالية في أواخر العقد الماضي، استطاعت شركة “مونزو” أن تحقق إنجازًا نادرًا: أن تجعل من البنك شيئًا “رائجًا” بين جيل الألفية البريطاني. بطاقة “الهوت كورال” بلونها المميز تحولت إلى رمز عصري بين المستخدمين، وشعار الشركة صار يرمز إلى الارتباط بالحداثة وسهولة الاستخدام. لكن بعد نحو عقد من انطلاقها، تجد “مونزو” نفسها أمام سؤال جوهري: كيف يمكن تحويل الإعجاب والولاء العاطفي إلى التزام مالي حقيقي؟
حب من طرف واحد؟
رغم أن “مونزو” تقول إن عملاءها “يحبونها”، إلا أن الأرقام تروي قصة مختلفة: فقط 56% من حاملي بطاقاتها يستخدمونها أسبوعيًا، وهذه النسبة تتراجع منذ خمس سنوات. المشكلة ليست في التجربة الرقمية، بل في “كسل” العملاء التقليديين الذين لا يرون سببًا وجيهًا لتغيير علاقتهم بالبنوك طالما الخدمات الأساسية تصلهم دون مشاكل.
وفاء مشروط في سوق شديد التشبع
الأسواق المصرفية الناضجة مثل المملكة المتحدة لا ترحب بسهولة بالوافدين الجدد، بسبب ميل العملاء للثبات على خياراتهم القديمة. بالمقارنة، تمكنت شركات تكنولوجيا مالية مثل Nubank في البرازيل من كسر هذه القاعدة عبر استهداف فئات غير مشمولة بالخدمات البنكية التقليدية، فبات أكثر من 80% من عملائها نشطين شهريًا.
كذلك تحاول شركة Chime الأمريكية – التي تستعد للاكتتاب العام – فرض وجودها بين الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض، مستغلة الرسوم العالية التي تفرضها البنوك التقليدية عليهم. تقول الشركة إن ثلثي مستخدميها النشطين يعتبرونها بنكهم الرئيسي.
اقرا أيضاً:
عواصف داخل حزب العمال: تعليق العضوية يكشف ضعف القيادة لا قوتها
مونزو في مواجهة اقتصاد “المجانيات”
يُعقّد وضع “مونزو” في السوق البريطانية عاملٌ إضافي: القوانين التي تفرض على البنوك تقديم خدمات مجانية لذوي الدخل المحدود، ما يجعل التميز التنافسي أصعب. ومع ذلك، تحققت بعض المكاسب: نحو ثلث العملاء يستخدمون الآن حساباتهم في “مونزو” كبنك رئيسي، مقارنة بـ23% فقط في العام السابق. كما قفزت الأرباح قبل الضريبة إلى 60 مليون جنيه إسترليني.
لكن ورغم هذا التقدم، فإن التحديات الهيكلية ما زالت قائمة؛ فبسبب ضعف متوسط العائد من كل عميل، تستهلك التكاليف التشغيلية نحو 73% من دخل الشركة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالبنوك التقليدية.
جيل الألفية… وشركة تنضج على مهل
في النهاية، تعكس قصة “مونزو” مسار نضجها جنبًا إلى جنب مع عملائها. فكما باتت أوضاع الكثير من أبناء جيل الألفية المالية أقل هشاشة مما كانت عليه قبل عقد، فإن “مونزو” أيضًا تحاول التحول من مرحلة “المرح والتجربة” إلى الالتزام والنمو المستدام. لكنها، مثل كثير من شركات التكنولوجيا المالية، لم تحسم بعد سؤال العلاقة طويلة الأمد: هل يستطيع العملاء حقًا وضع كل ثقتهم في بنك بدأ كـ”تطبيق لطيف”؟
اقرا ايضا :
بروكسل في مواجهة ترامب: قواعد قديمة لخصم لا يؤمن بالقواعد