عربي وعالمي

ساوث بارك: الكوميديا الأكثر تأثيرًا في عصر ترامب الثاني

عودة قوية لسلاح السخرية

في موسمه السابع والعشرين، ينجح مسلسل “ساوث بارك” في تحقيق ما فشلت فيه معظم البرامج الكوميدية الأخرى: توجيه ضربات ساخرة وفعّالة ضد إدارة ترامب الثانية. فبينما بدا المشهد السياسي الأمريكي أكبر من أن يُصاغ في قالب كوميدي، جاء العمل ليبرهن أن الكاريكاتير القاسي والتهكم اللاذع قد يكونان أكثر إقناعًا من محاولات النقد التقليدية.

معضلة السخرية من ترامب

الانتقادات الموجهة لترامب لطالما اصطدمت بعقبة أساسية: كيف يمكن تحويل شخصية بهذا الحجم من الجدل والفظاظة إلى مادة كوميدية جديدة؟ برامج مثل “ساترداي نايت لايف” أو تعليقات ستيفن كولبير بدت مرهقة، إما لتكرارها أو لاعتمادها على ما يُعرف بـ”كلاپتر” (تصفيق الموافقة أكثر من الضحك الحقيقي). “ساوث بارك” اختار طريقًا مغايرًا، متجنّبًا المواعظ الأخلاقية ومركزًا على قسوة كاريكاتورية صريحة.

استدعاء أدوات الماضي

المسلسل أعاد استخدام تقنيات سابقة ظهرت في فيلمه السينمائي عام 1999، حين قدّم صدام حسين كشخصية متكررة. ترامب صُوّر هنا بنفس الأسلوب، حتى في تفاصيل علاقته المتخيلة بـ”الشيطان”. هذه المقارنة الساخرة بين ترامب وصدام، بدلًا من إدانتها، بدت مقصودة كرسالة واضحة: الزعيم الأمريكي لم يعد بعيدًا عن صورة الديكتاتور الكاريكاتوري.

أهداف جديرة بالهجوم

لم يقتصر النقد على ترامب وحده. شخصيات مثل وزير الأمن الداخلي كريستي نويم، صُورت كمتعصبة قاتلة للكلاب، فيما جرى تقديم السيناتور جي دي فانس كنسخة مشوهة من شخصية كارتونية ثانوية. هذه الاستهدافات لم تكن عشوائية، بل صيغت بلغة “ساوث بارك” التي تجمع بين الفجاجة والمبالغة لتسليط الضوء على تناقضات السلطة.

شخصيات مألوفة في أدوار جديدة

إلى جانب السخرية السياسية المباشرة، قدّم المسلسل خطوطًا جانبية لافتة. “راندي مارش”، والد ستان، تحوّل إلى نسخة ساخرة من “التِك برو” المدمن على الكيتامين والمفتون بتطمينات الذكاء الاصطناعي. أما “كارتمن”، فظهر بشكل محدود، لكن في دور يعكس واقعًا جديدًا: بودكاسترز يستعيرون أسلوبه العدواني ويحوّلونه إلى محتوى “مناظرات” زائف.

تجنّب فخ “المواعظ”

من أبرز نقاط قوة الموسم الحالي أن القائمين عليه، تري باركر ومات ستون، ابتعدوا عن خطابات “الكل مخطئ والكل سواسية”. بدلًا من ذلك، قدّموا استهزاءً مباشرًا بأهداف تستحق السخرية، دون محاولة إرضاء كل الأطراف أو التظاهر بالحياد الأخلاقي.

انعكاس لمناخ سياسي مأزوم

هذا النهج جعل “ساوث بارك” مختلفًا عن تيار واسع من الكوميديا الأمريكية التي ما زالت أسيرة خطاب “الحساسية” أو “الاستفزاز المتوازن”. في وقتٍ يتردد فيه خصوم ترامب السياسيون في مواجهته بجدية، يأتي المسلسل ليقدّم شكلاً من أشكال المقاومة الساخرة، حتى وإن كانت لا تغيّر المعادلة السياسية فعليًا.

كوميديا تسد فراغ المعارضة

قد لا يغيّر “ساوث بارك” قناعات جمهور ترامب أو يُسقط السياسيين من مواقعهم، لكنه يقدّم على الأقل لحظة تنفيسٍ نادرة. في زمن يهيمن عليه الخوف من المواجهة، يبرز العمل كأحد الأصوات القليلة التي لا تزال تملك شجاعة السخرية من السلطة بأبشع صورها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى