أوكرانيا على خط النار: مقاومة شرسة وسط توقعات بهجوم روسي صيفي

من بين خط من الأشجار شمال شرق أوكرانيا، كانت وحدة مدفعية أوكرانية تستعد لإطلاق قذيفة جديدة. الجندي يوري، أحد أفراد الطاقم، وضع قذيفة من عيار 152 ملم في مدفع هاوتزر قديم من الحقبة السوفيتية، قبل أن يبتعد ويعطي إشارة الاستعداد. مع أمر القائد بـ”النار”، دوى انفجار هائل، ملأ الدخان الأبيض الموقع المخفي تحت شباك تمويه وأغصان صنوبر مقطوعة. وفيما استأنف طائر صغير غناءه الربيعي، كانت القوات الروسية تحاول التقدم مجددًا في محيط بلدة دفوريتشنا.
بعد أن استولت موسكو على دفوريتشنا مع بداية الغزو الشامل في فبراير 2022، استطاعت القوات الأوكرانية استعادتها بعد ستة أشهر ضمن هجوم مضاد ناجح في منطقة خاركيف. غير أن الروس عادوا في يناير الماضي، وسيطروا عليها مجددًا. المعارك تدور الآن على ضفتي نهر أوسكيل الخلاب، الذي كان فيما مضى وجهة للترفيه والرياضات المائية، وأصبح اليوم ساحة حرب تتقاذفها الطائرات المسيّرة والمدفعية والقنابل.
معركة الطرق والأنهر: صراع استراتيجي
الهدف الروسي الحالي يتمثل في توسيع موطئ قدم ضيق على الضفة اليمنى للنهر قرب دفوريتشنا، للاستيلاء على الطريق السريع R79 المؤدي إلى مركز السكك الحديدية الحيوي في كوبيانسك، تمهيدًا لاحتمال حصار خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا.
قائد مدفعي في الحرس الوطني الأوكراني، سيرهي، أوضح أن مهمتهم تكمن في تدمير الإمدادات الروسية الخلفية، مؤكدًا أن محاولات موسكو لعبور النهر باستخدام الجسور العائمة تتعرض لإفشال فوري عبر المدفعية والطائرات المسيّرة الانتحارية. ومقاطع الفيديو من الميدان توثق تدمير آليات مدرعة روسية وغرق بعضها في مياه النهر.
“لقد قُتل العديد من الروس، ونحن لا نخفي سعادتنا بذلك”، قال يوري، مضيفًا أن الجثث غالبًا ما تُترك مكشوفة لتنهشها الكلاب البرية.

تكتيكات متغيرة ومعركة استنزاف
سيرهي أشار إلى أن الروس تخلوا عن الاعتماد على الأرتال العسكرية الكبيرة، مفضلين التقدم بمجموعات صغيرة باستخدام عربات مدرعة، دراجات نارية، مركبات رباعية الدفع، وحتى عربات غولف وسيارات مدنية. وأضاف: “غالبًا يحتلون موقعًا ثم نستعيده بهجوم مضاد، وهكذا دواليك، دون تحقيق تقدم حاسم”.
في ورشات قريبة، يعمل الفنيون على تجهيز الطائرات المسيّرة، المزودة بكاميرات حرارية والقادرة على إسقاط الألغام. الجندي رومان، الذي يحمل النداء الحربي “سيدار”، أشار إلى أن الطائرات المسيّرة باتت عنصراً حاسمًا في ساحة المعركة، مضيفًا: “في 2014 لم يكن هناك طائرات مسيّرة. أما اليوم، فهي في كل مكان”.

مبادرات دبلوماسية غير مجدية وضغوط دولية محدودة
رغم محاولات الولايات المتحدة التوسط لوقف إطلاق النار، يواصل الكرملين مساعيه للسيطرة على مزيد من الأراضي. وقد أعلن بوتين وقف إطلاق نار بمناسبة “يوم النصر”، وهو إعلان مشابه لذلك الذي انتهكته روسيا خلال عيد الفصح.
وتبقى التحركات الروسية الأكبر متركزة في دونيتسك الصناعية، حيث استقرت خطوط القتال في بعض المدن مثل بوكروفسك، بينما يواصل الروس تقدمهم البطيء في كوستيانتينيفكا.
خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تقضي بالتنازل عن شبه جزيرة القرم وأربع مناطق شرقية لروسيا، قوبلت بالرفض التام من الجنود الأوكرانيين الذين اعتبروها “سابقة خطيرة” تهدد الاستقرار العالمي، إذ ستشرعن استيلاء الدول بالقوة على الأراضي.

مأساة المدنيين: دمار ومعاناة مستمرة
في دفوريتشنا، تحولت البلدة إلى أطلال. شهود عيان أفادوا بأن القوات الروسية أطلقت النار على المدنيين فور دخولها في بداية العام. أحد الناجين، يفغيني، روى كيف توفي جاره فلاديمير متأثرًا بجراحه لعدم توفر علاج طبي، واضطروا لترك جثته بجوار كوخ حتى تمكنوا لاحقًا من الفرار إلى قرية كوتكيفكا الخاضعة للسيطرة الأوكرانية.
أما في كوبيانسك، فقد أعلن رئيس البلدية، أندريه بيسيدين، عن تسجيل 1,500 هجوم بالقذائف والطائرات المسيّرة منذ بداية الشهر، أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وإصابة 35 آخرين، مع بقاء نحو 750 مدنيًا على مقربة من خط التماس رغم غياب الخدمات الأساسية.

تحذيرات من هجوم صيفي وتهديدات مستقبلية
جنود أوكرانيون عبروا عن قناعتهم بأن روسيا تخطط لشن هجوم صيفي ضخم. وزارة الدفاع الروسية زعمت مؤخرًا استعادة منطقة كورسك، وتستعد الآن لتعزيز عملياتها ضد إقليم سومي المجاور، حيث أسفر هجوم صاروخي روسي مؤخرًا عن مقتل 35 شخصًا وسط المدينة.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أقرّ بصعوبة الوضع على الجبهة، مشيرًا إلى استمرار الهجمات الروسية ورفض موسكو لمبادرة وقف إطلاق النار الأميركية، التي وافقت عليها كييف.

صراع الإرادات: تصميم أوكراني وسط خذلان دولي
أحد مشغلي الطائرات المسيّرة، أليكس، أكد أن الروس “ينتهزون أي ضعف لتحقيق مكاسب”، مشيرًا إلى أن التقدم الروسي بطيء لكنه مستمر. وأوضح أن خطة الدفاع الأوكرانية تعتمد على “استنزاف القوات الروسية عبر إيقاع أكبر عدد من القتلى”، لحرمان موسكو من القدرة البشرية على مواصلة الهجوم.
وفي حين وصف بعض الجنود الأوكرانيين جهود السلام الأميركية بأنها “مخيبة للآمال”، شددوا على أن مستقبل بلادهم لا يجب أن يُرهن بقرارات خارجية، مشيرين إلى أن “أي تنازل اليوم، يعني عدوانًا أكبر غدًا”.