أزمة الصداقة في منتصف العمر: لماذا يشعر الرجال بالوحدة أكثر من أي وقت مضى؟
ركود الصداقات في حياة الرجال.. هل للتواصل الافتراضي والإنترنت يد في ذلك؟؟

في زمنٍ تتزايد فيه الدعوات للانفتاح العاطفي والصحة النفسية، تكشف دراسات حديثة ومشاهدات ميدانية أن شريحة واسعة من الرجال في منتصف العمر يواجهون أزمة صامتة: عزلة اجتماعية متنامية، وصعوبة في تكوين أو الحفاظ على صداقات حقيقية. ما يسمى بـ”ركود الصداقات” لا يمس النساء فقط، بل يضرب بقوة في حياة الرجال، وخاصة المتزوجين منهم أو من دخلوا مرحلة الأبوة، ما يطرح تساؤلات عن ثقافة الرجولة، ونمط الحياة الحديثة، ومدى تأثير التكنولوجيا والأدوار الجندرية على العلاقات بين الرجال أنفسهم.
تراجع حاد في عدد الأصدقاء
تشير بيانات “مركز الاستطلاعات حول الحياة الأمريكية” إلى أن نسبة الرجال في الولايات المتحدة الذين قالوا إنهم لا يملكون أي صديق مقرّب بلغت 15% عام 2021، مقارنة بـ3% فقط في 1990. وفي المقابل، تراجعت نسبة من قالوا إن لديهم أكثر من عشرة أصدقاء مقربين من 33% إلى 13% خلال نفس الفترة. الأرقام تعكس تحوّلًا عميقًا في بنية العلاقات الاجتماعية لدى الذكور، خاصة في مجتمعات ما بعد الحداثة.
كيف تنكسر الروابط؟
من الأسباب الرئيسية التي يطرحها الخبراء: انتقال الأولويات نحو الأسرة والعمل، الاعتماد العاطفي الكامل على الزوجات، تباعد المسافات الجغرافية بين الأصدقاء القدامى، والضغط الثقافي على الرجال لعدم إظهار الضعف أو الاحتياج العاطفي. يقول جيريمي مولر، المعالج النفسي الذي يعمل مع رجال في الأربعينيات من عمرهم: “الأمر أشبه بمعركة شاقة. نريد علاقات حقيقية، لكننا نفتقر للمهارات أو المساحة لتحقيقها”.
الموروث الثقافي والرجولة التقليدية
الباحثون في علم النفس يرون أن الثقافة الذكورية التقليدية رسخت لسنوات فكرة أن “الرجولة” تعني الاكتفاء الذاتي والانغلاق العاطفي. يقول البروفيسور جيفري هول، أستاذ دراسات الاتصال بجامعة كانساس: “منذ الطفولة، يُطلب من الذكور أن يتخلوا عن الصداقات العميقة لأنها تبدو ضعيفة أو غير ذكورية”. ويضيف أن الذكور يبدؤون حياتهم بنفس احتياجات الصداقة مثل الفتيات، لكنهم يُجبرون على كبتها مع الوقت.
استجابات مبتكرة: من النوادي إلى نيران الخميس
في محاولة لمواجهة هذه الأزمة، بدأ البعض بابتكار حلول بديلة. الكاتب الأمريكي جيديديا جنكينز، مثلًا، ينظم لقاءً أسبوعيًا مفتوحًا في منزله تحت عنوان “خميس الرفاق”، يجمع فيه الأصدقاء حول نيران الحديقة وأكواب الشاي، بعيدًا عن الضغوط التنظيمية والاجتماعية. في إنجلترا، أنشأ لاعب الرجبي السابق كريغ وايت معسكرات رجالية في الطبيعة لبناء روابط قائمة على المكاشفة والدعم المتبادل.
التكنولوجيا تخلق وهم الصداقة
يرى محللون أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، يمنح الرجال شعورًا زائفًا بالارتباط. إذ قد يحل “متابع جيد على إنستغرام” محل صديق حقيقي. وفي كثير من الأحيان، تصبح البودكاستات أو الفيديوهات ملاذًا تعويضيًا عن التواصل البشري الحقيقي.
شركاء الحياة.. عائق أم محفّز؟
المفارقة أن العديد من الرجال يرون أن زوجاتهم قد يكونن من أسباب ضعف علاقاتهم الاجتماعية، إما عبر الاستحواذ على كامل جدولهم العاطفي والاجتماعي، أو بالغيرة من العلاقات الخارجية. في المقابل، هناك من يتعلّم من النساء فنون الحفاظ على الصداقات، مثل الاهتمام الدوري، والمبادرة بتنظيم اللقاءات، والحرص على الاستمرارية.
هل من أمل في الأجيال الجديدة؟
تشير بعض الدراسات إلى أن الشباب الذكور اليوم أكثر استعدادًا للبوح، وأكثر تقبلًا لفكرة “البروماانس” (العلاقات العاطفية الأخوية بين الذكور). لكن لا يزال الطريق طويلًا. يقول البروفيسور هول: “الصداقة لا تحدث صدفة. تحتاج لنية، وجهد، وكسر ثقافة الصمت”.
اقرأ أيضًا:
الطقس القاسي يهدد صناعة الترفيه: الأميركيون يفرّون من المتنزهات هذا الصيف