هل يوشك دونالد ترامب على قصف إيران أم إعادة إعمارها؟
بين تهديد القوة وحوافز السوق، مفاوضات نووية تتأرجح على حبل مشدود

بينما يتم إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، يطل “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب” على الملف الإيراني بنهج مزدوج، يراوح بين التهديد العسكري وإغراءات إعادة الإعمار الاقتصادي.
المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، والتي تجري برعاية عمانية، تعكس رغبة متبادلة في العودة إلى الاتفاق النووي، لكن هذه الرغبة تصطدم بثلاثة تحديات رئيسية:
تباينات داخل الإدارة الأمريكية، مطالب إيرانية أمنية واقتصادية، ومواقف القوى الإقليمية والدولية، لا سيما إسرائيل والسعودية.
وفي هذا السياق، يبرز اسم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي يخوض مفاوضات دقيقة تحاول إقناع الطرفين بأن العودة إلى طاولة الاتفاق ليست ضعفاً بل فرصة استراتيجية. فما هي طبيعة العقبات؟ ومن يملك القدرة على تجاوزها؟
لقاءات بروح إيجابية… ولكن
عقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف جولة جديدة من المحادثات النووية في السفارة العمانية بروما في 19 أبريل، وسط أجواء وصفت بأنها “إيجابية نسبياً” من قبل الجانب الإيراني.
كان “الرئيس ترامب أكثر حماساً” إذ وصف الاجتماعات بأنها “جيدة جداً”، رغم استخدامه نفس العبارة لوصف ملفات أخرى لا تقل توتراً مثل روسيا وأوكرانيا.
تحددت الجولة الثالثة من المفاوضات في 26إبريل وتتزامن مع انطلاق “محادثات تقنية” تشير إلى انتقال المحادثات من الدبلوماسية العامة إلى التفاصيل المعقدة.
إدارة أمريكية منقسمة ومواقف متذبذبة
لم تكن أولى العقبات أمام ترامب في طهران بل في واشنطن.أرسل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف رسائل متضاربة: ففي 14 أبريل، صرح لقناة “فوكس نيوز” بأن واشنطن قد تقبل بمستوى تخصيب يورانيوم يصل إلى 3.67%، كما كان في اتفاق 2015، لكنه تراجع عن ذلك بعد يوم واحد قائلاً إن إيران يجب أن “تتوقف وتزيل” برنامج التخصيب.
هذا التراجع يعكس ضغطاً من صقور الإدارة الذين لا يريدون تكرار تجربة الاتفاق السابق. لكن المطلب الأمريكي بتصفير التخصيب غير واقعي، بحسب ما أعلنه عراقجي صراحة.
شروط إيرانية صلبة: ضمانات ومعادلة ردع
الجانب الإيراني لا يرضى باتفاق هش كـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA). يريد اتفاقاً طويل الأمد يضمن عدم انسحاب الولايات المتحدة مستقبلاً.
لذلك تطالب طهران بتحويل الاتفاق إلى معاهدة يصدق عليها مجلس الشيوخ، وهو أمر يصعب تحقيقه، وقد لا يحمي الاتفاق فعلياً من التراجع الرئاسي الأحادي.
بدائل طهران تشمل الاحتفاظ بكميات من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي تحت إشراف أممي داخل إيران، كأداة ردع في حال تراجع واشنطن مجدداً.
ولكن هذا المقترح، رغم وجاهته من المنظور الإيراني، سيكون مرفوضاً أمريكياً على الأرجح.
عوائد اقتصادية… أم وعود جوفاء؟
إيران لا تسعى فقط لرفع العقوبات، بل تريد نتائج اقتصادية ملموسة. في عام 2016، بعد توقيع الاتفاق، لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران 0.7% من الناتج المحلي، مقارنة بـ0.5% في 2015 – زيادة ضئيلة جداً.
العقبات كانت مزدوجة: لم تٌرفع العقوبات الأمريكية بالكامل، وبيئة داخلية فاسدة تثني الشركات الغربية عن المخاطرة. حتى لو رفع ترامب جميع العقوبات، فإن صورة إيران كدولة راعية للإرهاب منذ 1984 لا تزال تلقي بظلالها على ثقة المستثمرين.
ترامب يطرق أبواب الخليج… ومخاوف من تل أبيب
يسعى ترامب إلى دعم خليجي لضمان نجاح الاتفاق اقتصادياً.
تعد زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران في 17 أبريل، وهي الأولى بهذا المستوى منذ 1997، وتعكس استعداد الرياض للمساعدة في إنهاء التوتر.
زيارة ترامب المرتقبة لثلاث دول خليجية الشهر المقبل تأتي في هذا السياق.
في المقابل، عليه احتواء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعارض بشدة أي اتفاق ويُفضل الخيار العسكري.
ترامب أكد بعد مكالمة هاتفية مع نتنياهو أنهما “متفقان في كل شيء”، لكن استمرار المحادثات قد يجعل هذا التوافق أكثر صعوبة.
إيران تستدرج ترامب عبر “صفقات نووية”
لم تكتف إيران بالتحذير لكنها أيضاً تحاول جذب ترامب عبر لغته المفضلة: لغة المال.
فقد أعلن عراقجي، في خطاب تم نشره بعد إلغاء كلمته في مؤتمر كارنيغي، أن إيران تعتزم بناء 19 مفاعلاً نووياً، ودعت الشركات الأمريكية للمشاركة في المناقصات.
كتب يقول: “عشرات المليارات من الدولارات في عقود محتملة تنتظر… السوق الإيرانية وحدها كافية لإنعاش الصناعة النووية الأمريكية”. هذا العرض المغري يضع ترامب أمام معادلة غير مسبوقة: هل يبني أمريكا عبر إيران؟
ما بين التهديد والاستثمار… مستقبل غامض
رغم التحركات الإيجابية، تظل التساؤلات مفتوحة: هل يملك ترامب الإرادة السياسية للقبول باتفاق واقعي مع إيران؟
وهل تستطيع طهران كبح جماح المتشددين في صفوفها؟ وهل تسمح إسرائيل بتمرير اتفاق دون تصعيد؟
كل هذه الأسئلة ترسم ملامح مرحلة تفاوضية دقيقة قد تحدد ملامح العلاقة الأمريكية الإيرانية لسنوات قادمة.
ورغم أن احتمال التصعيد العسكري لم يُستبعد، فإن ترامب قد يفضّل دور المستثمر على دور القائد العسكري—لا سيما إذا كانت العقود النووية بحجم “تريليونات ترامب”.