تقرير تحليلي – واشنطن بوست: آن الأوان أن تتذكر أمريكا خطورة تغيير الأنظمة

في الوقت الذي لا تزال فيه هدنة هشة قائمة بين إيران وإسرائيل، تُطرح تساؤلات خطيرة في واشنطن: هل تمضي الولايات المتحدة نحو تصعيد أكبر قد يصل إلى الإطاحة بالنظام الإيراني؟ الرئيس دونالد ترامب لمّح إلى ذلك صراحةً، ودعمه في ذلك مسؤولون جمهوريون بارزون مثل ماركو روبيو، في حين يُعبّر قادة إسرائيل علنًا عن تأييدهم لهذا التوجه. لكن التاريخ الأمريكي مع إسقاط الأنظمة لا يدعو إلى التفاؤل، بل يُظهر أن “القدرة على إسقاط نظام شيء، وتحقيق النتائج المرجوة منه شيء آخر تمامًا”.
دروس قاسية من ثمانين عامًا من إسقاط الأنظمة
منذ الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة مرارًا إلى تغيير أنظمة الحكم في دول أجنبية، بدءًا من ألمانيا واليابان – وهما حالتان ناجحتان بشكل نادر – وصولًا إلى تجارب أقل نجاحًا بكثير في إيران وغواتيمالا وكوبا وأمريكا اللاتينية وأفغانستان والعراق وليبيا.
تحوُّل ألمانيا واليابان إلى حلفاء ديمقراطيين جعل بعض القادة الأمريكيين يُضمرون تفاؤلًا مفرطًا تجاه فعالية تغيير الأنظمة. لكن التجارب اللاحقة أثبتت أن هذا النموذج لم يكن قابلًا للتكرار.
ففي عام 1953، ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) على الإطاحة بمحمد مصدق، رئيس وزراء إيران المنتخب ديمقراطيًا، مما زرع بذور الاستياء الذي ساهم لاحقًا في ولادة الجمهورية الإسلامية. وبعدها بعام فقط، أسقطت المخابرات الأمريكية زعيم غواتيمالا جاكوبو آربينز، ثم فشلت في إسقاط فيدل كاسترو في “خليج الخنازير” عام 1961.
حقبة ما بعد الحرب الباردة: “السلام الديمقراطي” وتوهم النتائج
مع نهاية الحرب الباردة، اكتسبت سياسة تغيير الأنظمة طابعًا أخلاقيًا جديدًا، خاصة بعد تبني نظرية “السلام الديمقراطي”، والتي تقول إن الديمقراطيات لا تخوض حروبًا ضد بعضها. هذا المبدأ منح مبررًا جديدًا لتغيير الأنظمة غير الديمقراطية. وهكذا، تدخلت أمريكا في صربيا، وساهمت – بشكل غير مباشر – في الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزستان.
لكن بعد عقدين، لم تتحول أي من هذه الدول إلى ديمقراطيات مستقرة. صربيا تحكمها حكومة تميل إلى موسكو، وجورجيا أصبحت شبه تابعة لروسيا، وقرغيزستان تعاني من اضطرابات متكررة، وأوكرانيا تقاوم غزوًا روسيًا دمويًا.
التدخلات العسكرية الكبرى: من أفغانستان إلى العراق وليبيا
بعد هجمات 11 سبتمبر، دخلت الولايات المتحدة في مرحلة من الغضب والتوسع العسكري غير المسبوق. أطاحت بحكم طالبان سريعًا، لكنها لم تنجح في بناء دولة مستقرة في أفغانستان، ما دفع الرئيس جو بايدن إلى الانسحاب بعد عقدين من الخسائر السياسية والبشرية والاقتصادية.
وفي عام 2003، أسقطت الولايات المتحدة صدام حسين في العراق بعملية “الصدمة والترويع”، لكن النتائج كانت مختلطة: ديمقراطية هشة فتحَت الباب لنفوذ إيراني واسع في بغداد.
وفي ليبيا، أطاح التدخل العسكري بقيادة الناتو بمعمر القذافي عام 2011، لكنه خلّف فوضى ممتدة أثّرت على كامل منطقة شمال أفريقيا وساهمت في تفاقم أزمة الهجرة إلى أوروبا.
حتى روسيا فشلت: دروس من أوكرانيا
ما يحدث اليوم في أوكرانيا هو مثال على الفشل المستمر لمحاولات تغيير الأنظمة. روسيا، التي حاولت تغيير النظام بالقوة، واجهت مقاومة شرسة وتُتهم الآن بممارسة “إمبريالية سافرة”.
هذا يُظهر أن تغيير الأنظمة غالبًا ما يبدو، من الخارج، وكأنه محاولة للهيمنة أكثر منه تحريرًا، سواء كانت الجهة الفاعلة ديمقراطية أو استبدادية.
إيران: هل نكرر أخطاء الماضي؟
الوضع في إيران الآن بالغ التعقيد. هناك من يدعو إلى انتفاضة شعبية، أو إلى تكرار تجربة الثورات الملونة، لكن هذه السيناريوهات لم تُنتج استقرارًا في أي مكان آخر. والواقع أن أي احتجاج واسع في إيران قد يُقابل بردّ دموي من النظام، وربما ينتهي الأمر بفراغ سياسي وفوضى شاملة.
البعض الآخر لا يستبعد غزوًا أمريكيًا شاملًا على غرار العراق، لكنه سيكون “الأكبر من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية”، ولن يمر دون كلفة بشرية واقتصادية وسياسية هائلة.
أسئلة جوهرية لا بد من طرحها
يشدد الكاتب على أن خطورة البرنامج النووي الإيراني لا تُنكر، وأن الردع والضغوط أمران مشروعان. لكن التركيز الحصري على تغيير النظام يُخفي أسئلة أعمق:
ما هي مصلحة المواطن الأمريكي العادي في تغيير النظام الإيراني؟
كيف سيؤثر ذلك على الديمقراطية الأمريكية نفسها، خاصة إذا اتُخذ القرار دون موافقة الكونغرس؟
كيف سينعكس هذا على صورة أمريكا في المنطقة؟ هل ستُرى كمنقذ، أم كقوة استعمارية جديدة؟
خاتمة
رغبة أمريكا في تغيير الأنظمة قديمة ومستمرة، لكن النتائج كانت – في الغالب – مخيبة للآمال. ولذا، فإن تجاهل دروس الماضي والسير نحو مغامرة جديدة في إيران قد لا يكون فقط غير حكيم، بل خطير أيضًا على الاستقرار الإقليمي والديمقراطية الأمريكية على حد سواء.