فضيحة التسمم الجماعي لأطفال روضة في الصين: كارثة صحية وفساد مستشري
تسمم أطفال الروضة في الصين: إهمال وفساد وتستر على أعلى المستويات

في حادثة هزّت الرأي العام الصيني وأثارت موجة غضب عارمة، تم تسجيل تسمم أكثر من 230 طفلًا في روضة بجنوب غرب الصين، بعد تناولهم وجبات غذائية مُلوّنة بمواد طلاء صناعي تحتوي على نسب خطيرة من مادة الرصاص. القضية لم تتوقف عند التسمم فقط، بل كشفت عن سلسلة من الإهمال المتعمد، ومحاولات التستر، وتلاعب في نتائج الفحوصات، وفساد مستشرٍ على مستوى الإدارات المحلية والمستشفيات. هذا التقرير يُسلّط الضوء على تفاصيل الحادث، أسباب وقوعه، وكيف تعاملت السلطات معه.
روضة تتحول إلى مركز تسمم جماعي
وقعت الحادثة مطلع يوليو في “روضة براونستون بيشين” بمقاطعة غانسو، حيث تم إدخال 235 طفلًا إلى المستشفى بعد ظهور أعراض مقلقة، من بينها آلام في المعدة، غثيان، واسوداد في الأسنان. الفحوصات أثبتت لاحقًا وجود نسب مرتفعة من الرصاص في الدم لدى 247 شخصًا، بينهم أطفال ومعلمين، جرّاء تناولهم أطعمة تحتوي على ألوان صناعية ممنوعة.
السبب الصادم: تلوين الطعام لجذب أولياء الأمور
وفقًا لتقرير صادر عن الحزب الشيوعي المحلي، اتخذت إدارة الروضة قرارًا غريبًا لتحسين مظهر الطعام وجعله “جاذبًا بصريًا” للأطفال وأولياء الأمور، بهدف تعزيز التسجيلات الجديدة. تم شراء ألوان صناعية مخصصة للطلاء وليس للاستهلاك الآدمي من الإنترنت، رغم أن العبوات كانت تحمل تحذيرات واضحة بأنها “غير صالحة للأكل”.
المكون السام: الرصاص بنسبة تفوق الحد بـ400,000 مرة
أحد الألوان المستخدمة احتوى على نسبة رصاص تزيد عن الحد القانوني الآمن بـ400 ألف مرة، وهو ما يُعتبر كارثيًا صحيًا. المثير للدهشة أن إدارة الروضة كانت قد استخدمت سابقًا ألوانًا غذائية آمنة وأرخص ثمنًا، لكنها اختارت التخلّي عنها لصالح الألوان الصناعية لـ”بريقها”.
إهمال مؤسساتي وتواطؤ على أعلى المستويات
كشف التقرير أن الحادث لم يكن مجرد “خطأ فردي”، بل جاء نتيجة سلسلة من الفشل في الرقابة المؤسسية، شملت وزارة التعليم المحلية، إدارة الغذاء، مركز مكافحة الأمراض، والمستشفى الذي استقبل الحالات. في حالات عدة، سعت المؤسسات للتستر والتقليل من حجم الكارثة.
تزوير وتحريف نتائج الفحوصات
في مستشفى “الشعب الثاني” بمدينة تيانشوي، ثبت أن اثنين على الأقل من تقارير الفحوصات تم التلاعب بها عمدًا لتقليل مستويات الرصاص المسجلة في الدم. التقرير وصف إدارة المستشفى بأنها “فوضوية”، مع ضعف في التدريب وغياب لمعايير الجودة.
اعتقالات ومحاسبة واسعة
على خلفية الكارثة، تم اعتقال ستة موظفين في الروضة، من بينهم المديرة، بتهمة تعريض حياة الأطفال للخطر وتقديم مواد غذائية سامة عمدًا. كما فُتح تحقيق تأديبي بحق 27 مسؤولًا آخرين من قطاعات التعليم، الصحة، والمراقبة الحكومية.
روضة بلا ترخيص وتجاهل للتفتيش
أفاد التقرير بأن الروضة كانت تعمل منذ فترة دون ترخيص قانوني، رغم أنها تفرض رسومًا مرتفعة على أولياء الأمور. والأسوأ أن إدارة التعليم في المنطقة لم تُجرِ أي تفتيش غذائي على رياض الأطفال الخاصة خلال العامين الماضيين.
محاولة رشوة وتغطية على الجريمة
أشارت نتائج التحقيق إلى أن بعض المسؤولين في الدوائر التربوية والصحية تلقوا “مزايا” ورشى من المستثمر الرئيسي في الروضة، مقابل تجاهل المخالفات. وتم أيضًا رصد محاولة دفع مبالغ مالية لتغيير نتائج فحوصات الأطفال في المختبرات.
رد فعل رسمي بعد الفضيحة
أصدرت السلطات بيانًا رسميًا أعربت فيه عن “أسفها العميق” لما وصفته بـ”حادثة الرصاص غير الطبيعية”. وأكدت أنها باشرت حملة علاجية للأطفال المصابين، حيث خرج معظمهم من المستشفى بعد انخفاض معدل الرصاص في الدم بنسبة 40%.
غضب شعبي واحتجاجات في الشارع
لم تمر الحادثة مرور الكرام شعبيًا. في مساء الأحد، تظاهر مئات أولياء الأمور أمام الروضة، مطالبين بمحاسبة الجناة. وثّقت مقاطع فيديو اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، حيث استخدمت الهراوات لتفريقهم، فيما رد المحتجون بهتافات: “سلّموا من ضرب الناس”.
الفساد والإهمال في مؤسسات الطفولة
تشير هذه الحادثة إلى عمق الأزمة في منظومة التعليم الخاص في الصين، التي باتت في بعض المناطق خاضعة للاستثمار العشوائي دون رقابة حقيقية. كما تطرح تساؤلات مقلقة حول مدى استعداد المؤسسات الحكومية لتحمل مسؤولياتها تجاه الأطفال.
مراجعة واسعة من السلطات المركزية
أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد فتح ملفات تحقيق بحق مسؤولين على مختلف المستويات الحكومية، إضافة إلى مراجعة أداء المستشفى المعني. قد تكون هذه بداية لمراجعة أوسع لقطاع رياض الأطفال في البلاد.
خاتمة: عندما تتحول الرغبة في “التجميل” إلى كارثة
تكشف هذه القضية أن السعي وراء “المظهر الخارجي” – حتى في أبسط الأشياء كوجبات الطعام – قد يؤدي إلى كوارث إنسانية حين يقترن بالإهمال، الجشع، وغياب الرقابة. أطفال روضة تيانشوي سيحملون آثار هذا القرار غير المسؤول لفترة طويلة، وربما تستمر تبعاته الصحية والنفسية لعقود.