إثيوبيا تفتتح سد النهضة رسمياً بعد 14 عامًا من الجدل الإقليمي

في خطوة طال انتظارها، أعلنت إثيوبيا اليوم الاثنين افتتاح سد النهضة الكبير رسميًا، بعد أكثر من 14 عامًا من انطلاق أعمال البناء. ويمثّل هذا الإعلان لحظة فارقة في تاريخ المشروع الذي طالما أثار جدلًا إقليميًا واسعًا، خاصة في ظل استمرار غياب اتفاق قانوني ملزم ينظّم عملية ملء وتشغيل السد بين دول الحوض الثلاث: إثيوبيا، مصر، والسودان
غياب التوافق الثلاثي يعمّق المخاوف
افتتاح السد يأتي في ظل فشل المفاوضات الطويلة، التي رعتها أطراف إقليمية ودولية على مدار سنوات، في التوصّل إلى صيغة توافقية تحفظ حقوق دولتي المصبّ، مصر والسودان. ورغم المحاولات المتكررة، لا يزال الموقف الإثيوبي يتسم بالانفرادية في اتخاذ القرارات، وهو ما تعتبره مصر تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي، في حين ترى السودان في السد خطرًا فنيًا قد يؤثر على منشآته المائية.
تصريحات آبي أحمد: رسائل طمأنة أم مناورة سياسية؟
في كلمته خلال حفل الافتتاح، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن السد لا يمثّل أي تهديد لجيرانه في حوض النيل، مشددًا على أن استخدام بلاده لمياه النهر “محدود” ولم يتجاوز ما يخصها. كما أشار إلى أن إثيوبيا لم تأخذ شيئًا من نصيب الآخرين، في محاولة واضحة لطمأنة الرأي العام في مصر والسودان.
إلا أن تصريحات آبي أحمد لم تخفِ نبرة التحدي، إذ قال إن بلاده بدأت بمشروع واحد، ولكنها قادرة على بناء المزيد من السدود في حوض النيل، ما يُفسّر من قبل المراقبين كمؤشر على رغبة إثيوبيا في ترسيخ سياسة الأمر الواقع.
مشروع سد النهضة: بين الحق السيادي والقلق الإقليمي
رغم أن من حق إثيوبيا السعي إلى تطوير مواردها وتحقيق التنمية، خاصة في مجال توليد الكهرباء ومكافحة الفقر، فإن الخلاف يتمحور حول الأثر العابر للحدود لمثل هذا المشروع العملاق، والذي يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على أكثر من 150 مليون نسمة في مصر والسودان.
ويشكّل السد مصدر قلق استراتيجي، خاصة لمصر التي تعتمد بنسبة تفوق 90% على مياه نهر النيل لتلبية احتياجاتها الزراعية والشرب والصناعة.
خلاف مزمن في غياب آلية ملزمة
منذ بدء المشروع في 2011، شهد ملف سد النهضة جولات تفاوضية متعددة بوساطات دولية مختلفة، منها الاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة، والبنك الدولي، دون إحراز تقدم جوهري. ويكمن جوهر الخلاف في رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق قانوني ملزم يحدد قواعد الملء والتشغيل، ويضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب.
مستقبل غامض للمياه في حوض النيل
في ظل افتتاح السد وغياب اتفاق شامل، يدخل ملف مياه النيل مرحلة جديدة من الضبابية والتوتر السياسي، مع احتمال ارتفاع حدة الخطاب بين العواصم الثلاث. كما يبقى السؤال الأبرز: هل يتجه النزاع إلى مزيد من التصعيد، أم يمكن أن تخلق مرحلة ما بعد الافتتاح فرصة جديدة للحوار الجاد؟