لولا دا سيلفا يحذر: لا تجعلوا الأزمات العالمية مبررًا لإنهاء العولمة
لولا دا سيلفا يرفض نهاية العولمة وينادي بالالتزام بالدوبلوماسية الحقيقية

في لحظة فارقة من التاريخ الدولي، وبينما تتوالى الأزمات وتتهاوى ركائز النظام العالمي، يرفع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا صوته محذرًا من أن التخلي عن العولمة سيكون خطأً فادحًا. فبدلًا من الانسحاب خلف الجدران والانغلاق القومي، يدعو دا سيلفا إلى إحياء التعددية على أسس عادلة وشاملة. في مقاله المنشور في صحيفة “الجارديان”، يرسم لولا صورة قاتمة لمستقبل النظام العالمي، ويقترح خارطة طريق للخروج من المأزق الحالي.
تآكل النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية
بدأ لولا مقاله بتشخيص دقيق لأزمة النظام الدولي الراهن، معتبرًا أن عام 2025، الذي كان من المفترض أن يكون احتفالًا بمرور 80 عامًا على تأسيس الأمم المتحدة، قد يتحول إلى لحظة انهيار لما تم بناؤه منذ 1945. فالانقسامات العميقة داخل مجلس الأمن، وتكرار استخدام القوة بشكل غير قانوني، وسكوت العالم عن المجازر مثل ما يحدث في غزة، كل ذلك أدى إلى تقويض القيم التي تأسس عليها النظام الدولي.
التجارة الحرة بين المطرقة والسندان
لم تسلم منظومة التجارة العالمية من التهديدات، حيث يرى دا سيلفا أن الرسوم الجمركية الواسعة تُقوّض سلاسل التوريد وتدفع الاقتصاد العالمي نحو دوامة من الغلاء والركود. أما منظمة التجارة العالمية، فقد أصبحت جسدًا بلا روح، وسط نسيان شبه تام لجولة الدوحة التنموية.
العولمة النيوليبرالية تحت المجهر
يعود لولا إلى أزمة 2008 ليوضح كيف كشفت هشاشة النموذج النيوليبرالي، حيث تم إنقاذ الأثرياء والشركات الكبرى، بينما تُرك المواطنون العاديون وأصحاب الأعمال الصغيرة يواجهون مصيرهم. وقد أدى ذلك إلى تفاقم عدم المساواة بشكل صارخ، حيث يمتلك أغنى 1% في العالم 33.9 تريليون دولار، وهو مبلغ يكفي لإنهاء الفقر العالمي 22 مرة، بحسب تقرير لمنظمة أوكسفام.
أزمة الثقة تغذي التطرف والكراهية
يربط دا سيلفا بين تراجع قدرة الدولة على الاستجابة لتحديات العصر وبين تصاعد التطرف السياسي. فقد أصبح السخط الشعبي بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية وتقويض أسس الديمقراطية، في وقت يتراجع فيه التمويل الدولي لبرامج التنمية المستدامة، وتُفرض شروط لا تراعي السياقات المحلية.
الجوع والفقر وصمة على جبين البشرية
في عالم تبلغ ثروته الإجمالية أكثر من 100 تريليون دولار، ما زال هناك أكثر من 700 مليون إنسان يعانون الجوع ويعيشون دون كهرباء أو مياه. يرى دا سيلفا أن هذا الواقع ليس نتيجة فقر الموارد، بل نتاج قرون من الاستغلال والعنف والتدخل الخارجي في شعوب الجنوب العالمي.
المناخ يدق ناقوس الخطر… والتمويل يتراجع
يشير الرئيس البرازيلي إلى أن عام 2024 كان الأشد حرارة في التاريخ، وهو مؤشر على أن التغير المناخي يسبق الاتفاقات الدولية مثل اتفاق باريس. وقد تم التخلي عن الالتزامات الملزمة لاتفاق كيوتو، كما لم يتم الوفاء بوعد كوبنهاغن بتوفير 100 مليار دولار سنويًا لتمويل العمل المناخي في الدول الفقيرة.
المؤسسات الدولية ليست العدو
يرى دا سيلفا أن المؤسسات المتعددة الأطراف – رغم كل ما يقال عنها – حققت إنجازات ملموسة، مثل القضاء على الجدري، وحماية طبقة الأوزون، والدفاع عن حقوق العمال. ويشدد على أن إضعاف هذه المؤسسات لن يخدم سوى الفوضى، ولن يبني بديلًا قادرًا على التعامل مع التحديات العالمية.
لا يمكننا “نزع الكوكب” من العولمة
يرفض لولا خطاب “فك الارتباط” أو “نهاية العولمة”، معتبرًا أن لا جدار يمكنه حماية جزيرة سلام في محيط من العنف والبؤس. فالعالم مترابط وجوديًا، وما يصيب جزءًا منه لا يمكن عزله عن باقي الكيان.
العالم تغيّر… ويجب أن تتغير المؤسسات الدولية
يقر دا سيلفا بأن المؤسسات الدولية لم تعد تواكب تعقيدات العالم الحديث، لكن الحل لا يكمن في هدمها، بل في إصلاحها. فغياب القيادة الجماعية وتفشي الأحادية جعل من التعددية ضحية سهلة، ما يتطلب إعادة بناء الأسس بشكل أكثر عدلًا وشمولًا.
تجربة البرازيل: التعددية ممكنة
يشير الرئيس البرازيلي إلى أن بلاده، خلال رئاستها لمجموعة العشرين العام الماضي، ورئاستها الحالية للبريكس ومؤتمر المناخ كوب 30، أثبتت أن التوافق الدولي لا يزال ممكنًا حتى في الأوقات العصيبة، وأن التعاون لا يزال خيارًا قابلًا للتحقيق.
دعوة إلى دبلوماسية جديدة… قبل فوات الأوان
في ختام مقاله، يوجه دا سيلفا نداءً عاجلًا إلى العالم: لنعيد الالتزام بالدبلوماسية الحقيقية، ولنوقف التدهور السريع الذي يهدد البشرية. فمن دون تحرك جماعي، سنبقى شهودًا صامتين على اتساع هوة اللامساواة، واستمرار الحروب العبثية، وتدمير كوكبنا المشترك.