ضحايا روسيا في أوكرانيا يتجاوزون المليون.. كيف يواصل بوتين آلة الحرب؟
معدل صادم للخسائر البشرية يقارب 1200 جندي يوميًا

ضحايا روسيا في أوكرانيا تجاوزوا مليونًا بين قتيل وجريح، في واحدة من أكثر الحروب دموية التي خاضتها موسكو منذ الحرب العالمية الثانية.
في يونيو 2025، سجلت التقارير معدل خسائر يومي يتراوح بين 1000 و1200 جندي، ما يعكس حجم الاستنزاف المستمر للجيش الروسي منذ بداية الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022.
ورغم هذا الرقم المذهل، لا تظهر أي مؤشرات على تباطؤ الحرب، بل تُطرح تساؤلات ملحة في الغرب: كيف يمكن لمجتمعات ديمقراطية تعلي من قيمة الفرد أن تواجه خصمًا يستهلك آلاف الجنود في حرب استنزاف مستمرة بلا أفق واضح؟
أرقام الخسائر: الواقع يتجاوز التقديرات
بحسب هيئة الأركان الأوكرانية، المدعومة بتقارير استخباراتية غربية ووسائل إعلام روسية مستقلة مثل ميدوزا وميديازونا، فإن ضحايا روسيا في أوكرانيا تراوحت حتى منتصف 2024 بين 106 و140 ألف قتيل.
ومع نهاية العام، ارتفعت التقديرات إلى نحو 165 ألف وفاة، مستندة إلى بيانات حصر التركات والنعوات.
ومع اشتداد المعارك في النصف الأول من 2025، يُرجّح أن يكون عدد القتلى قد بلغ الآن حوالي 250 ألفًا.
بحسب النسب الروسية التقليدية (4 جرحى مقابل كل قتيل)، يُتوقع أن تتجاوز الإصابات الخطيرة 750 ألفًا، ما يرفع إجمالي الضحايا إلى مليون تقريبًا، وهو رقم يفوق بكثير خسائر روسيا في كل حروبها بعد 1945.
خسائر أوكرانيا أقل.. لكن الثمن باهظ
في المقابل، تشير تسريبات استخباراتية إلى أن أوكرانيا فقدت نحو 70 إلى 80 ألف جندي حتى سبتمبر 2024، في حين أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي رسميًا أن العدد 46 ألفًا فقط.
وتعود الفجوة بين الطرفين إلى طبيعة القتال، إذ تعتمد أوكرانيا على الدفاع واستخدام تقنيات مثل الطائرات الانتحارية FPV، ما يجعل الهجمات الروسية مكلفة للغاية ويقلل من الخسائر الأوكرانية نسبيًا.
استنزاف بشري يعيد أرقام القرن الماضي
لتعويض الخسائر، تحتاج موسكو لتجنيد ما لا يقل عن 30 إلى 40 ألف جندي شهريًا. وللمقارنة، فإن عدد القتلى الروس اليوم يعادل تقريبًا إجمالي خسائر بريطانيا في الحرب العالمية الثانية (264 ألفًا)، ويقترب من حصيلة الولايات المتحدة في نفس الحرب (292 ألفًا)، عندما كان عدد سكانها يقارب سكان روسيا الآن.
كما تفوق الخسائر الروسية أربعة أضعاف قتلى أميركا في حرب فيتنام، وتتجاوز ضحايا الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ما يعكس حجم الكارثة المستمرة.
إستراتيجية بوتين: تعبئة بلا ضجيج.. واقتصاد قائم على الموت
رغم أن أوكرانيا تقاتل دفاعًا عن وجودها، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يواجه ضغوطًا داخلية تُجبره على إنهاء الحرب.
بدلاً من إعلان تعبئة عامة قد تثير الغضب، تبنى الكرملين سياسة “التعبئة السوقية”، كما يسميها الباحث ألكسندر غولتس، من خلال تجنيد عقود فردية مدفوعة بامتيازات مالية ضخمة.
في أواخر 2024، وصلت مكافأة توقيع العقود إلى 1.19 مليون روبل (نحو 15 ألف دولار)، مع رواتب سنوية تتراوح بين 3.5 و5.2 مليون روبل، أي ما يصل إلى خمسة أضعاف متوسط الدخل الروسي. وفي حالة الوفاة، تحصل العائلة على تعويض قد يصل إلى 19 مليون روبل.
اقرأ أيضا:
الصين تكشف عن نموذج أولي لطائرة تدريب بحرية متطورة مستوحاة من “ريد هوك” الأمريكية
تجنيد من الأطراف الفقيرة.. والمجتمع يراقب بصمت
معظم المجندين يأتون من المناطق النائية والمدن الصغيرة، وغالبًا في الثلاثينيات أو الأربعينيات من العمر.
تقارير صحفية وثّقت مشاهد رجال يتقدمون للتجنيد بصحبة زوجاتهم وأطفالهم، مدفوعين بالأمل في تحسين أوضاعهم المعيشية.
وفي تلك المناطق، يمكن ملاحظة آثار الحرب على الاقتصاد المحلي: منازل جديدة، سيارات فاخرة، وافتتاح صالات رياضية ومراكز تجميل، وكلها ممولة من رواتب الجنود وتعويضاتهم.
استطلاع أجراه مركز ليفادا في أكتوبر 2024 كشف أن 40% من الروس يوافقون على انضمام أقاربهم للجبهة، بينما أيد 88% فكرة أن يذهب المتطوعون مقابل المال بدلًا عنهم.
الباحثة إيلينا راتشيفا ترى أن هذه المنظومة الاقتصادية تمنع المجتمع من الشعور بالذنب، وتحصر الحزن في حدود التعويضات.
عقد اجتماعي مؤقت أم استقرار طويل؟
حتى الآن، يبدو أن المجتمع الروسي يقبل ضمنيًا هذا النمط: الدولة تدفع بسخاء، البعض يذهب للقتال، والأغلبية تتابع حياتها.
لكن المحللين يتساءلون: هل يمكن لهذا التوازن أن يصمد إذا استمرت الخسائر بوتيرتها المرتفعة؟ وماذا لو بدأت قدرة الدولة على الإنفاق بالتآكل تحت ضغط العقوبات وتكاليف الحرب المتصاعدة؟
في النهاية، ورغم أن ضحايا روسيا في أوكرانيا تجاوزوا حدًا تاريخيًا صادمًا، فإن آلة الحرب الروسية لم تتوقف.
بوتين يستنزف الجنود بنفس الوتيرة التي يجندهم بها، معتمدًا على مزيج من القومية والتعويضات، في حرب بلا سقف زمني ولا حدود واضحة للخسائر.