الوكالات

«كوبينسك على خط النار».. أطلال المدينة الأوكرانية بعد عامين من الحرب والنزوح الجماعي

بعد أكثر من عامين من الحرب المستمرة، باتت مدينة كوبينسك الواقعة في منطقة خاركيف شمال أوكرانيا رمزًا للدمار البطيء الذي لحق بالمدن الواقعة على خطوط المواجهة. المدينة التي كانت تحتضن نحو 27 ألف نسمة قبل الصراع، شهدت نزوح معظم سكانها، تاركة خلفها مبانٍ مدمرة وأسواقًا خاوية وحقولًا ممزقة بالحفر الناتجة عن القصف المكثف. ليوبوف لوبونيتس، البالغة من العمر 77 عامًا، اضطرت إلى مغادرة منزلها الذي دمره انفجار روسي، لتلتحق بمركز لإيواء النازحين في خاركيف. رغم الدمار والخطر، رفض كثير من السكان الرحيل خوفًا من المجهول أو بسبب قلة الإمكانيات المالية. بعد تحرير المدينة في سبتمبر 2022، عادت موسكو لمحاولة استعادتها، ما جعل كوبينسك على خط النار بشكل دائم، في حرب استنزاف لا نهاية واضحة لها، تركت المدينة شبه خالية من الحياة والنشاط، في انتظار استعادة الأمن والرواد مرة أخرى.

 

واقع الدمار ونزوح السكان 

 

تظهر مدينة كوبينسك اليوم أطلالًا من المباني المدمرة والأسواق الخاوية بعد أكثر من عامين من الحرب المستمرة. المنازل المنتشرة على التلال دُمرت بالقصف، بينما امتلأت الحقول بالحفر الناتجة عن القذائف. السوق الصغيرة التي كانت تعج بالباعة اختفت، والخدمات العامة توقفت تمامًا، تاركة السكان القلائل يعيشون في ظروف صعبة.

ليوبوف لوبونيتس، ممرضة متقاعدة، تقول إنها اضطرت لمغادرة منزلها بعد أن أصابته قذيفة روسية وأشعلت فيه النيران، وقد تم إنقاذها على يد الجنود الأوكرانيين. رغم هذه الظروف القاسية، فضل بعض السكان البقاء خوفًا من المجهول أو لضيق ذات اليد، ما يعكس الصعوبة الكبيرة التي تواجه المدنيين في المدن الواقعة على خطوط المواجهة في أوكرانيا.

 

الوضع العسكري والتكتيكات القتالية 

 

بعد تحرير كوبينسك في سبتمبر 2022، شهدت المدينة قصفًا روسيًا مكثفًا حاول خلاله الجيش الروسي استعادة السيطرة. القوات الأوكرانية لجأت إلى تكتيكات مبتكرة، منها استخدام طائرات “هيكساكوبتر” لإسقاط شِباك حادة على الجنود والمركبات الروسية، وإحباط محاولات التسلل عبر أنابيب الغاز المهجورة إلى الضفة الغربية للنهر. قائد إحدى الكتائب، المعروف باسم “قيصر”، أكد استمرار المعارك المكثفة، مشيرًا إلى أن الروس يحاولون التسلل في مجموعات صغيرة، لكن القوات الأوكرانية ترصدهم باستمرار. بعض القوات الروسية تضم مجندين من كوبا، مما يوضح تعدد الأطراف المشاركة في الحرب الاستنزافية التي بدأت منذ فشل الهجوم المضاد الأوكراني عام 2023، وأصبحت بلا نهاية واضحة، تاركة المدينة على خط النار يوميًا.

كوبينسك تصمد بتكتيكات مبتكرة وسط حرب استنزاف متواصلة.

وضع المدنيين والآثار الإنسانية

 

حاليًا، يعيش في الجانب الغربي من نهر أوسكيل حوالي 600 شخص فقط، بينما أغلب السكان نزحوا إلى خاركيف أو مناطق أخرى آمنة. العمدة أندري بيسيدين وصف الوضع بأنه “كارثي”، مؤكدًا أن المدينة بلا كهرباء أو غاز، وأن البنية التحتية شبه منهارة بالكامل. السكان الذين فضلوا البقاء يواجهون تحديات يومية للعيش وسط الأطلال، بينما تنتقل روح المدينة وشغفها بالحياة إلى مراكز الإيواء في خاركيف. ليوبوف لوبونيتس تؤكد أن البقاء كان صعبًا للغاية، لكن الخوف من المجهول والحاجة إلى موارد بسيطة أجبرها على الصمود لفترة قبل أن تغادر، مما يعكس حجم المعاناة الإنسانية في المناطق القريبة من الجبهات.

600 شخص فقط يعيشون وسط الدمار في كوبينسك بلا كهرباء أو غاز، بينما نزح الباقون إلى خاركيف هربًا من الجحيم اليومي.

الأمل لا يغادر كوبينسك

 

رغم القصف المستمر والمعارك اليومية، يؤكد العمدة بيسيدين أن المدينة لم تفقد روحها بالكامل، وأن الأمل لا يزال موجودًا لاستعادة الحياة الطبيعية في كوبينسك. يقول: “كوبينسك لم تعد مدينة حية الآن، لا نشاط فيها ولا سكان تقريبًا، لكن روحها انتقلت إلى خاركيف، ونحن ننتظر اليوم الذي نستعيد فيه الحياة والانتصار”. المدينة اليوم رمز لمعاناة المدن الأوكرانية الواقعة على خطوط النار، حيث الدمار والنزوح يوازيان مقاومة الجيش المدني والعسكري، في حرب استنزاف مستمرة بلا نهاية واضحة، تاركة أثرًا عميقًا على السكان والبنية التحتية على حد سواء.

اقرأ أيضاً

أزمة دولية بعد اعتقال روسيا عالم أوكراني معارض لصيد الكريل في القطب الجنوبي

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى