الوكالات

داخل معركة تحرير الأخبار… إيما تاكر ومواجهتها المفتوحة مع دونالد ترامب

منذ توليها رئاسة تحرير صحيفة وول ستريت جورنال قبل عامين ونصف، لم تتوقف البريطانية إيما تاكر عن إثارة الجدل، سواء داخل غرف الأخبار أو في أروقة السلطة الأمريكية. لكن منتصف يوليو 2025 حمل لها اختبارًا غير مسبوق، حين قررت نشر قصة محرجة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تربطه برجل الأعمال المدان في قضايا جنسية جيفري إبستين، في توقيت حساس كانت فيه إدارة ترامب تواجه أزمة متفاقمة حول هذا الملف.

التقرير الذي خططت الجريدة لنشره كان يتضمن اتهامًا بأن ترامب كتب قصيدة ورسماً كاريكاتورياً في مناسبة عيد ميلاد إبستين الخمسين، وهي مزاعم كان يمكن أن تمر في ظروف أخرى، لكنها جاءت في ذروة انتقادات أنصاره لرفضه نشر ملفات حكومية مرتبطة بالقضية.

رد البيت الأبيض كان عنيفًا وسريعًا، والاتصال المباشر من ترامب نفسه بإيما تاكر من على متن طائرته الرئاسية كان بداية مواجهة سياسية وإعلامية لم تتوقف حتى اليوم، بل تحولت إلى دعوى قضائية بمليارات الدولارات.

اتصال من الطائرة الرئاسية

في 15 يوليو، تلقت إيما تاكر اتصالًا من الرئيس ترامب ومتحدثته كارولين ليفيت، يهددان بمقاضاة الصحيفة إذا نُشر التقرير، مؤكدين أن الرسالة المزعومة “مزيفة” وأن ترامب “لا يجيد الرسم”.

ورغم حالة التوتر التي سادت أروقة الجريدة، لم تتراجع تاكر. وبعد 48 ساعة من الشد والجذب، نُشر التقرير مساء الخميس، ليُشعل موجة من ردود الأفعال في واشنطن، أعقبها ترامب بدعوى قضائية يطالب فيها بتعويضات لا تقل عن 10 مليارات دولار.

تاكر: من لندن إلى مواجهة البيت الأبيض

إيما تاكر لم تكن جديدة على الأزمات. قبل أشهر من هذه الواقعة، قادت حملة دولية للإفراج عن مراسل الصحيفة إيفان غيرشكوفيتش المعتقل في روسيا. كما دفعت بسياسات إعادة هيكلة داخل الجريدة شملت تسريح محررين كبار وفائزين بالـ”بوليتزر”، في إطار خطتها لتحديث المحتوى وجعله أكثر جرأة.

مع ذلك، احتفظت بسمعة الشخصية الودودة والذكية عاطفيًا، حتى بين من انتقدوا قراراتها القاسية. هذه المزاوجة بين الحزم والمرونة هي ما جعلت روبرت مردوخ، مالك إمبراطورية نيوز كورب، يمنحها قيادة صحيفته الأهم سياسيًا في الولايات المتحدة.

سجل من القصص المزعجة للسلطة

منذ رئاستها لتحرير صنداي تايمز عام 2020، أظهرت تاكر استعدادًا لنشر تقارير محرجة حتى للحكومات الصديقة، كما فعلت مع رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون في ذروة جائحة كورونا، ما دفع داونينغ ستريت إلى إصدار بيان مطول لنفي “الأخطاء”.

وفي وول ستريت جورنال، دفعت باتجاه تغطيات أكثر حدة لقضايا مثيرة للجدل، مثل تراجع القدرات الذهنية للرئيس جو بايدن، وتوسيع التحقيقات حول إيلون ماسك والصين، ما اعتبره البعض “اتجاهاً نحو قصص جاذبة رقمياً” حتى لو أثارت الجدل السياسي.

إصلاحات مثيرة للجدل في غرفة الأخبار

تحت قيادتها، تغيّر أسلوب الصحيفة التحريري: عناوين أكثر مباشرة، حذف الألقاب الرسمية مثل “السيد” و”السيدة”، ومنع إدراج أكثر من ثلاثة أسماء في التوقيع على أي تقرير.

لكن قرارات إعادة الهيكلة أثارت موجة غضب غير مسبوقة، وصلت إلى لصق ملاحظات احتجاجية على مكتبها الخالي. بعض الموظفين اتهموا الإدارة باستخدام خطط “تحسين الأداء” كذريعة لدفع صحفيين إلى الاستقالة، وهو ما نفته الصحيفة.

التوازن الصعب مع إرث مردوخ

مردوخ يدير شبكة إعلامية واسعة تضم فوكس نيوز الموالية لتيار “ماغا”، لكنه يعتبر وول ستريت جورنال جوهر قوته ونفوذه لدى النخب السياسية والاقتصادية الأمريكية. تاكر مطالبة بأن تجعل الصحيفة أكثر جاذبية رقمياً، وأكثر جرأة تحريريًا، دون تجاوز الخطوط السياسية التي يحرص عليها المالك.

حتى الآن، يرى بعض المراقبين أنها نجحت في السير على هذا الحبل المشدود، لكن قضية إبستين-ترامب قد تحدد ما إذا كانت قادرة على الاستمرار في ذلك.

معركة لم تنته بعد

الدعوى القضائية التي رفعها ترامب قد تستغرق شهورًا أو سنوات، لكن كثيرين يعتقدون أن مردوخ لن يرضخ بسهولة، خاصة بعد أن حاول ترامب التفاخر بأنه منع نشر القصة قبل أن تظهر للعلن.

شركة “داو جونز” الناشرة للجريدة أكدت ثقتها الكاملة في دقة التحقيق واستعدادها للدفاع عنه في المحكمة.

أما إيما تاكر، فرغم الضغوط، تبدو مصممة على المضي في خطها التحريري: قصص مثيرة، تحقيقات قوية، وعدم التراجع أمام التهديدات، حتى لو كان مصدرها البيت الأبيض.

اقرأ أيضاً:

78 ساعة على تصويت المصريي بالخارج في انتخابات الشيوخ 2025

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى