زيارة “ترامب” إلى لندن.. إنقاذ لحكومة ستارمر أم مأزق جديد؟

يترقب الشارع البريطاني بحذر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى لندن، في وقت يسعى فيه رئيس الوزراء كير ستارمر لالتقاط أنفاسه بعد سلسلة إخفاقات سياسية أثارت انتقادات واسعة داخليًا. الزيارة، التي يراها ستارمر بداية “مرحلة ثانية” لحكومته، تحمل في طياتها وعودًا اقتصادية كبيرة، أبرزها اتفاقات تجارية واستثمارات أمريكية في قطاع التكنولوجيا، لكنها أيضًا محفوفة بمخاطر سياسية ودبلوماسية قد تزيد من تعقيد المشهد. فبينما يطمح ستارمر لتثبيت شرعيته وإظهار نجاح ملموس، يظل ترامب شخصية مثيرة للجدل، قد تضع الحكومة البريطانية أمام تحديات أكبر بدلًا من الحلول.
مكاسب اقتصادية على الطاولة
وفق صحيفة ذا تايمز البريطانية، يركز الجانب البريطاني على ملف الاتفاق التجاري مع واشنطن، ولا سيما الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم، التي تفرضها الإدارة الأمريكية بنسبة 25%. نجاح ستارمر في التوصل إلى خفض هذه الرسوم سيمثل دفعة قوية لحكومته. كما يسعى الوزراء لإلغاء رسوم بنسبة 10% على صادرات بريطانية مثل الويسكي والسلمون، مقابل تنازلات في منتجات أمريكية، بينها الجينز ودراجات “هارلي ديفيدسون”. ورغم الطموحات، تشير التوقعات إلى تحفظ البيت الأبيض على التوصل لاتفاق شامل في هذه المرحلة.
استثمارات التكنولوجيا.. ورقة رابحة
يبدو أن الاستثمار الأمريكي في قطاع التكنولوجيا سيكون أبرز ما يحققه ستارمر خلال القمة. فقد أعلنت شركة “ألفابت”، المالكة لجوجل، عن ضخ خمسة مليارات جنيه إسترليني في بريطانيا خلال عامين، ما يوفر نحو ثمانية آلاف فرصة عمل جديدة. إضافة إلى ذلك، سيكشف وفد من عمالقة وادي السيليكون، بينهم سام ألتمان (OpenAI) وجينسن هوانج (Nvidia)، عن مشروع مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي في نورثمبرلاند. هذا المشروع، الذي سيكون من بين الأكبر في أوروبا، يمنح ستارمر فرصة لتسويق حكومته كجاذبة للاستثمارات العالمية رغم التحديات السياسية.
ملفات السياسة الخارجية بين واشنطن ولندن
لا تقتصر أجندة الزيارة على الاقتصاد، إذ يحاول ستارمر إقناع ترامب بتشديد العقوبات على روسيا والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا. غير أن موقف ترامب يرتبط بمدى استعداد دول الناتو لوقف واردات النفط الروسي، بل وفرض رسوم على الصين والهند بسبب استمرار شرائهما النفط من موسكو. هذا الشرط يعقّد موقف لندن، التي تخشى أن تتحول القمة إلى ساحة مساومات جيوسياسية، خاصة مع تزايد النشاط الروسي في أجواء بولندا وما يفرضه من تهديدات أمنية.
الخلاف الفلسطيني يهدد القمة
العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أبرز حجم التباين بين مواقف لندن وواشنطن. ففي حين وصفت حكومة ستارمر العملية بأنها “متهورة ومروعة”، جدد ترامب دعمه المطلق لإسرائيل وهاجم وعد لندن بالاعتراف بدولة فلسطينية، واعتبره “مكافأة لحماس”. ومن المرجح أن تنعكس هذه الخلافات في المؤتمرات الصحفية، حيث قد يشهد الرأي العام مواجهة علنية بين الزعيمين حول القضية الفلسطينية، ما يزيد من حساسية الزيارة ويضع ستارمر في موقف معقد داخليًا وخارجيًا.
فضائح الماضي وظلال الإعلام
يحاول ستارمر استخدام الزيارة لتجاوز تداعيات فضيحة اللورد بيتر ماندلسون، المرتبطة بالممول الأمريكي الراحل جيفري إبستين. إلا أن “داونينج ستريت” يخشى أن يعيد الإعلام فتح الملف، وهو ما قد يضع رئيس الوزراء في مأزق، خاصة أن اسم ترامب نفسه ارتبط سابقًا بإبستين قبل أن يعلن قطع علاقته به منذ عام 2004. مثل هذه الملفات تثير مخاوف الحكومة من أن تتحول القمة إلى مناسبة إعلامية تسلط الضوء على الفضائح بدلًا من التركيز على القضايا الاقتصادية والسياسية الجوهرية.
تصريحات مثيرة وجدلية متوقعة
إلى جانب الملفات الرسمية، يقلق فريق ستارمر من احتمال استغلال ترامب للزيارة في التعبير عن مواقف مثيرة للجدل، مثل إشادته بصديقه السياسي نايجل فاراج أو تعليقه على ملف الهجرة. ففي زيارته الأخيرة لإسكتلندا، وصف ترامب الهجرة بأنها “تدمر أوروبا”، وهو خطاب يتناقض كليًا مع سياسات حكومة ستارمر، وقد يقوض محاولاته لاستعادة شعبيته داخليًا. مثل هذه المواقف غير المتوقعة تعكس الطابع المزدوج للزيارة: بين مكاسب اقتصادية منتظرة وتحديات سياسية قد تزيد من مأزق الحكومة البريطانية.