730 يومًا من النار والجوع.. غزة تُباد تحت أنقاض الصمت العالمي

بعد مرور عامين كاملين على الحرب الإسرائيلية على غزة، تحوّل القطاع إلى ركام يغطيه الرماد، وتحوّلت الأسر إلى أسماء في قوائم الشهداء والمفقودين. تشير الإحصاءات الرسمية إلى سقوط عشرات الآلاف بين شهيد ومفقود، بينهم أكثر من عشرين ألف طفل، وألف رضيع، واثنا عشر ألف امرأة، بينهن تسعة آلاف أم. وتؤكد هذه الأرقام أن أكثر من نصف الضحايا من الأطفال والنساء والمسنين، ما يجعل المشهد الإنساني في غزة مأساة غير مسبوقة في العصر الحديث، حيث تواصل آلة الحرب محو حياة المدنيين وسط صمت دولي يكاد يساوي حجم الدمار.
محو أسر كاملة من السجل المدني
لم ينجُ أحد من الحرب، فآلاف العائلات أُبيدت بالكامل ولم يتبقَّ منها ناجٍ واحد، فيما لم يتبقَّ من بعض الأسر سوى فرد واحد يروي مأساة عائلته. تشير الأرقام إلى أن 2,700 أسرة أُزيلت تمامًا من السجل المدني، بما يعادل أكثر من 8,500 شهيد، في حين فُقد الاتصال بنحو 6,000 أسرة لم يتبقّ منها سوى ناجٍ وحيد. كما سقط أكثر من 1,600 من الطواقم الطبية، و254 صحفيًا، و140 عنصرًا من الدفاع المدني، إضافة إلى مئات المعلّمين والرياضيين والأكاديميين، في مشهد يعكس استهدافًا متعمدًا للكوادر المدنية التي تُشكّل عصب المجتمع.
مأساة الجوع والحصار
فرض الاحتلال حصارًا خانقًا على معابر غزة لأكثر من 220 يومًا، مانعًا دخول الوقود والمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية. ووفق بيانات الأمم المتحدة، تسبب هذا الحصار في تجويع منظم لأكثر من مليوني شخص، بينهم 650 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعًا، و40 ألف رضيع مهددون بالوفاة لنقص حليب الأطفال. كما استُهدفت مراكز توزيع الإغاثة والمطابخ الشعبية عشرات المرات، ما أسفر عن مقتل مئات العاملين الإنسانيين. في ظل هذه الكارثة، تحوّل الخبز والماء إلى عملة نادرة، وأصبح الجوع سلاحًا يستخدمه الاحتلال لإخضاع المدنيين وابتزاز بقائهم على قيد الحياة.

منظومة صحية تنهار أمام العجز
القطاع الصحي في غزة ينهار يومًا بعد يوم. فبحسب منظمة الصحة العالمية، تعرّضت 38 مستشفى و96 مركزًا صحيًا للقصف أو الإغلاق الكامل، واستُهدفت 197 سيارة إسعاف أثناء تأدية مهامها. كما سُجلت آلاف حالات البتر والشلل وفقدان البصر، أغلبها بين الأطفال. ويُمنع أكثر من 22 ألف مريض من السفر للعلاج، بينهم 5,200 طفل و12,500 مصاب بالسرطان. أما النساء الحوامل والمرضعات، فيعشن مأساة مزدوجة وسط نقص الأدوية وسوء التغذية وانعدام الرعاية، ليصبح المرض، مثل القصف، سلاحًا آخر يحصد الأرواح في صمت.

دمار شامل وحياة بلا مأوى
أكثر من 300 ألف منزل دُمّر بالكامل في غزة خلال عامين، منها 148 ألفًا غير صالحة للسكن. وترك الدمار نحو مليوني إنسان بلا مأوى، اضطروا للنزوح القسري إلى مراكز إيواء مكتظة أو إلى العراء. كما طالت الغارات 95% من مدارس القطاع، وتعرضت 668 مدرسة للقصف المباشر، بينما دُمرت مئات المنشآت التعليمية جزئيًا أو كليًا. ومع انهيار البنية التحتية وانقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات، يعيش سكان غزة في ظلام مادي ومعنوي، إذ تلاشت مقومات الحياة تمامًا، وأصبح البقاء معجزة يومية.

خسائر تفوق حدود الحرب
قدّر مكتب الإعلام الحكومي الخسائر المادية المباشرة بأكثر من 70 مليار دولار، توزعت على قطاعات الإسكان والصحة والتعليم والتجارة والزراعة والصناعة والاتصالات. لكن الأثمان التي لا تُقدّر بثمن هي الأرواح، والأسر التي مُحيت، والطفولة التي سُرقت. فبعد 730 يومًا من القصف والحصار، لم يتبقَّ من غزة سوى جراحها المفتوحة وصمود شعبها الذي يواجه العالم وحده، يطالب بحق الحياة في زمن يتجاهل فيه العالم معنى الإنسانية.