علوم وتكنولوجيا

مايكروسوفت دعمت طموحات خصمها في الذكاء الاصطناعي : كيف ساعد عملاق التكنولوجيا الأمريكي الحزب الشيوعي الصيني دون قصد ؟

العلاقات بين الكوريتين: تحديات الواقع النووي وآفاق المستقبل

في يناير الماضي، فاجأت شركة صينية مغمورة تُدعى DeepSeek مجتمع التكنولوجيا العالمي بإطلاق نموذج لغوي ضخم ومتقدم منافس لأفضل ما أنتجته الشركات الغربية. المفاجأة الأكبر كانت أن عددًا من مهندسي الشركة الرئيسيين تدربوا وعملوا سابقًا في مختبرات الذكاء الاصطناعي التابعة لمايكروسوفت في الصين. هذه الحادثة لم تكن استثناءً، بل تمثل وجهًا من أوجه العلاقة المعقدة التي نسجتها مايكروسوفت مع الصين، والتي ساهمت – بشكل غير مباشر – في تعزيز قدرات نظام استبدادي ينافس الولايات المتحدة.

 

معهد مايكروسوفت في بكين: مدرسة النخبة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في الصين

أنشأت مايكروسوفت أول مختبر أبحاث لها في بكين عام 1998 تحت مظلة “Microsoft Research Asia”، بهدف استغلال المواهب الصينية لدفع الابتكار في مجالات مثل رؤية الحاسوب والتعرف على الصوت. على مدار العقدين التاليين، تحوّل هذا المركز إلى أكاديمية غير رسمية خرّجت نخبة تقنيي الصين. مرّ من هناك مؤسسو ومديرو شركات عملاقة مثل ByteDance (مالكة تيك توك) وSenseTime وAlibaba وBaidu.

لكن المشكلة لم تقتصر على تدريب موظفي شركات منافسة، بل امتدت إلى ما هو أخطر: إذ ساهم خريجو مختبرات مايكروسوفت لاحقًا في تطوير أدوات رقابة ومراقبة لصالح النظام الصيني، بما يشمل تقنيات التعرف على الوجه المستخدمة في اضطهاد مسلمي الإيغور في شينجيانغ.

 

DeepSeek… عندما يتحول المتدرب إلى خصم تقني عالمي

أحدث مثال على خطورة هذا التعاون هو صعود شركة DeepSeek، التي طورت نموذجًا مفتوح المصدر من الذكاء الاصطناعي أثار ذعر الأسواق وأدى إلى خسائر تجاوزت تريليون دولار في شركات التكنولوجيا الأمريكية، بسبب الخوف من تفوق صيني في هذا المجال.

 

تبيّن لاحقًا أن أربعة من كبار مهندسي الشركة، بمن فيهم رئيس قسم رئيسي، سبق لهم العمل لسنوات داخل مختبرات مايكروسوفت في الصين، بعضهم لمدة تزيد عن خمس سنوات تحت صفة “متدرب”، وهي مدة كافية لشغل مناصب عليا فعلية في أي مؤسسة. هؤلاء المهندسون كانوا يعملون مباشرة على تدريب النماذج الضخمة داخل مايكروسوفت، ثم استخدموا تلك المعرفة لتطوير أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي الصينية حتى الآن.

 

مايكروسوفت: ضوابط شكلية وتسريبات خطيرة

في معرض دفاعها، قالت مايكروسوفت إن عددًا محدودًا من “المتدربين السابقين” لا يمكن أن يُنسب إليه نجاح DeepSeek بالكامل، مشيرة إلى أن جميع موظفيها يخضعون لاتفاقيات سرية صارمة. كما أكدت أنها تمنع الباحثين في الصين من العمل على مجالات حساسة مثل التعرف على الوجه والحوسبة الكمية.

 

لكن النقاد يؤكدون أن المشكلة أعمق من مجرد اتفاقيات مكتوبة. فالمدة الطويلة لـ”التدريب” وطبيعة المشاريع التي شارك فيها هؤلاء “المتدربون” تدل على مساهمة حقيقية في أبحاث مايكروسوفت، نُقلت لاحقًا بالكامل إلى منافس صيني طموح.

 

الكونغرس يتحرك… ومايكروسوفت تتراجع جزئيًا

في أعقاب هذه الفضيحة، عبّر مشرعون أمريكيون عن قلقهم الشديد. قال الرئيس السابق دونالد ترامب إن نجاح DeepSeek “يجب أن يكون ناقوس خطر لكل شركات التكنولوجيا الأمريكية”، فيما دعا السناتور الجمهوري جوش هاولي إلى قطع أي تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي مع الصين، معتبرًا أن “أمريكا لا يمكنها تقوية عدوها على حساب أمنها”.

 

وبضغط من هذا الغضب السياسي، أغلقت مايكروسوفت بالفعل أحد مختبراتها في شنغهاي وبدأت بنقل موظفين إلى دول غربية، في خطوة توصف بأنها متأخرة لكنها ضرورية.

 

علاقات سابقة أكثر إثارة للجدل

الجدل لا يقتصر على قضية DeepSeek. ففي 2019، كُشف عن أن باحثين من مايكروسوفت شاركوا في نشر أبحاث علمية مشتركة مع جامعة الدفاع الوطني الصينية – وهي مؤسسة عسكرية خاضعة مباشرة للجنة العسكرية المركزية الصينية. تركزت هذه الأبحاث على مجالات مثل الرؤية الحاسوبية والتعرف على الوجه، والتي يمكن توظيفها في تطبيقات عسكرية أو أمنية.

 

دافع مسؤولو مايكروسوفت عن تلك الأبحاث بوصفها “تعاونًا أكاديميًا”، لكن النقاد، من بينهم السيناتور ماركو روبيو، اعتبروها دعمًا مباشرًا لقمع السلطات الصينية، في ظل سياسة “الاندماج المدني-العسكري” التي تتبعها بكين.

 

وهم الانفتاح: ماذا جنت أمريكا من تعاونها التكنولوجي مع الصين؟

خلال العقود التي أعقبت انفتاح الصين في عهد نيكسون، ساد اعتقاد بأن الاستثمار الأمريكي في الصين سيقود إلى انفتاح سياسي. لكن في ظل حكم شي جين بينغ، انقلب هذا التصور. فالصين شددت قبضتها على شركاتها، وفرضت رقابة صارمة، وقلّصت حرية الشركات الأمريكية، بل ومنعت بعض منتجات مايكروسوفت من الاستخدام داخل المؤسسات الحكومية.

 

النتيجة؟ مايكروسوفت درّبت الكفاءات التي بنت أدوات النظام الاستبدادي الصيني، وقدّمت أبحاثًا قد تُستخدم في القمع، ورضخت لمتطلبات الرقابة، بينما كانت بكين تفرض قيودًا شديدة على دخول الشركات الأمريكية.

 

دروس موجعة: هل تعيد مايكروسوفت والغرب حساباتهما؟

تحب مايكروسوفت أن تصف نفسها كقائدة مسؤولة في عصر الذكاء الاصطناعي، وتتباهى بمبادراتها في أخلاقيات التكنولوجيا. لكنها اليوم مطالبة بأن تثبت التزامها الفعلي بالقيم التي تدّعيها. فإما أن تستمر في عملها داخل الصين وتقبل أن تكون جزءًا من آلة سلطوية، أو أن تعيد النظر وتغادر هذا السوق، مهما كانت العوائد مغرية.

 

قصة مايكروسوفت مع الصين يجب أن تُقرأ كتحذير. لقد حان الوقت لإعادة تقييم العلاقة بين شركات التكنولوجيا الأمريكية والصين، ووضع خطوط حمراء صارمة أمام التعاون الذي قد يخدم خصمًا استراتيجيًا وطموحًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى