عربي وعالمي

ترامب يعزز نفوذ دول الخليج.. هل يستطيعون وقف الحرب الإسرائيلية؟

تحولات السياسة الأمريكية وإعادة تموضع الخليج في مواجهة الصراعات الإقليمية

زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط كانت عرضًا مذهلًا للتشويش السياسي وإعادة رسم خريطة العلاقات الأمريكية مع المنطقة. فبينما كان يتنقل من قصر إلى آخر في عواصم الخليج، أعلن انتهاء “دروس الأخلاق” الأمريكية، ورفع العقوبات عن سوريا، وأثنى على الرخام الفاخر في القصور الخليجية قائلاً: “كراجل بناء، هذا هو الرخام المثالي”. بدا وكأن ترامب في بيئته الطبيعية، محاطًا بثروات الملوك وسلطاتهم المطلقة ومظاهر الفخامة المصطنعة التي يُتقنها مضيفوه.

من حظر المسلمين إلى مدح الأسد

الرجل ذاته الذي فرض حظر السفر على المسلمين في فترته الأولى، أصبح اليوم يتجول في المساجد ويتحدث عن رئيس سوريا بوصفه “رجل وسيم.. ماضٍ صعب، لكن هل كنتم ستضعون راهبًا في هذا المنصب؟”. دعوته للاعتراف بدور دول الخليج كلاعبين سياسيين واقتصاديين رئيسيين، واعتماده على رؤيتهم بشأن مستقبل سوريا، تعكس تحولًا واضحًا في السياسة الأمريكية – لكنه تحول مؤلم في تذكيره بمدى تناقض الإدارات السابقة، كإدارة بايدن التي وعدت بمحاسبة السعودية على جريمة قتل جمال خاشقجي ثم تراجعت بهدوء.

الصفقات أولًا: نهج ترامب مقابل الديمقراطيين

ترامب، على عكس الديمقراطيين، لا يجهد نفسه بادعاء الدفاع عن القانون الدولي. بل يختار صراحة المعاملة بالمثل والصفقات الواضحة. بالنسبة لقطر والإمارات والسعودية، فإن احتفاء ترامب بمشاريعهم القومية الكبرى ومواقفهم الجريئة في السياسة الخارجية لبّى رغبتهم في الاعتراف بهم كقوى ناضجة، لا مجرد أثرياء يحتاجون إلى إدارة حذرة.

الخليج الجديد: نفوذ يتوسع ومكانة ترتفع

ما نشهده اليوم هو تطور في شكل النفوذ الخليجي: الإمارات تمول حربًا كارثية في السودان لتوسيع نفوذها في إفريقيا، وقطر تتحول بهدوء إلى عاصمة الدبلوماسية في العالم. في المقابل، الولايات المتحدة تنقل مركز ثقل علاقاتها من أوروبا إلى منطقة الخليج، حيث لا يجد ترامب من يعارضه أخلاقيًا في أوكرانيا، ولا من يعاني من قيود الديمقراطية أو مساءلة الناخبين، بل دولًا تملك المليارات وترحب به بحرارة.

التناقض الأكبر: دعم إسرائيل واستقبال الأعلام الأمريكية

ورغم الأجواء الاحتفالية، كان هناك ما يعيق استكمال المشهد. فبالتزامن مع تصعيد إسرائيل هجماتها على غزة، وتجاهلها لأي هدنة محتملة، كان ترامب يُستقبل بالأعلام الأمريكية، دون أن يُطرح السؤال الأهم: كيف يمكن لرئيس الدولة التي تسلح وتدعم إسرائيل سياسيًا أن يُعامل كصانع سلام أو حليف مستقر؟

قوة بلا تأثير: سؤال الدور الحقيقي لدول الخليج

هذا التناقض كشف جوهر الزيارة. فكل الحديث عن قوى صاعدة وقدرات اقتصادية جديدة بدا أجوف في ظل غياب القدرة على التأثير الحقيقي. هل هذه القوة الجديدة تمنح الدول الخليجية الحق في رسم مسارات اقتصادية وسياسات خارجية مستقلة؟ أم أنها قادرة على الضغط لتغيير السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل تستطيع وقف الحرب أو التخفيف من معاناة أهل غزة الذين لم يدخل إليهم طعام أو دواء منذ شهور؟

من غزة إلى لبنان: تداعيات الحرب الإقليمية

مع توسع النزاع إلى لبنان وسوريا، وضغط متزايد على الأردن ومصر، وحتى داخل الأنظمة الملكية المستقرة، تحولت الحرب إلى قضية رأي عام حساس وخطير. وفيما يروج ترامب لخطة “تطهير عرقي” بنقل سكان غزة إلى ليبيا، تتواصل عمليات الجيش الإسرائيلي لاحتلال المزيد من أراضي القطاع.

مظاهر الثراء لا تصنع قرارًا سياديًا

وبينما كان ترامب ينبهر بالرخام والقصور، ظل السؤال المُلِح حاضرًا: هل دول الخليج، رغم ما تمتلكه من ثروات ومكانة متزايدة، تملك النفوذ الحقيقي لتغيير مسار الأحداث في منطقتها؟ أم أن كل ما نشهده هو مجرد استعراض فاخر لا يغيّر شيئًا في جوهر الواقع؟

خلاصه: السيادة تبدأ من القدرة على الفعل

إن التقدير الدقيق لما جرى لا يعتمد على حجم الاستقبالات ولا التصريحات، بل على ما إذا كانت هذه الدول قادرة على فرض إرادتها في ساحتها الخلفية، وحماية الشعوب العربية من الجوع والتشريد والاحتلال. فالتخلي عن “الدروس الأخلاقية” قد يكون مريحًا، لكن السيادة الحقيقية تبدأ حين تكون سيد مصيرك، لا مجرد شريك اقتصادي في مسرح كبير.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى